حل الفنان باسم الستري، والخطاط حسن رضوان، والخطاط والنحات السيد حيدر العلوي ضيوفًا في الأمسية الحوارية “القصبة والريشة بين الأصالة والحداثة”، التي نظمها مُنتدى سدرة الثقافي مساء الأحد 27 رمضان 1442، عبر برنامج التواصل الاجتماعي “zoom”، وقدمها الكاتب والناقد محمد الحُميدي.
واستهل الكاتب والناقد الحُميدي الأمسية بالحديث عن الفنون، قائلًا: “تنمو الأجيال على حب الفنون، لأنها المتنفس الكبير للمشاعر المكبوتة، فهذا فرويد أرجع جذور العواطف الإنسانية إلى عقدتين رئيسيتين، هما: أوديب وإلكترا، وهما شخصيتان من اختراع المسرحي اليُوناني سوفوكليس، فالبناء الذي اعتمده فرويد كان على الأدب والخيال، وعبر هذا الخيال أوصلنا إلى الهو والأنا، والأنا الأعلى، وتفسير الأحلام والرموز، التي نشاهدها في المنامات”.
وأضاف: “إن الأدب ليس إلا بقعة من بقاع الفنون -ولن أقول أهمها-، فذلك ظلم للبقية مثلما هو إضفاء نوع من القداسة على كتابات قد لا ترقى لذلك، لذا، يتشارك مع الأدب فنون مختلفة، كالنحت والتصوير والتمثيل والرسم والخط”.
عُزلة أم أولوية؟
وتحدث الفنان باسم الستري، الذي يُجيد فن الرسم باحترافية، وله الكثير من الرسومات، وقد أُخِذ بروشور الأمسية من إحدى لوحاته، عن تجربته الفنية، وماهية العُزلة، التي يعيشُها بابتعاده عن الساحة الفنية، ليكون بين لوحاته.
وأجاب عن سؤال، مفاده؛ ما سبب قلة ظهورك الإعلامي أتكون عزلتك الفنية التي تأتي أسوة بالكثير من الفنانين الذين يُلاحظ عليهم الابتعاد عن الشهرة؟ قائلًا: “بعيدًا عن عنوان الشهرة، نعم أنا مقصر في المُشاركات ونقل نظرتي وتجاربي الفنية، ومقصر بعرض رسالتي كفنان أمثّل بيئة ومنطقة معينة، إنها ليست عزلة بقدر كونها ظروف الحياة وأولوياتها”، موضحًا أن قاعدة الأولويات، تجعل الفن ليس الخيار الأول في حياة الفنان لعدم وجود البيئة الحاضنة والمُشجعة للمواصلة، وعدم وجود المُقابل المُجزي.
وذكر أن هناك نماذج كثيرة من الفنانين، يسيرون بذات الشرفة، مشيرًا إلى انه قد يكون العُذر مقبولًا وقد يكون غير مقبول لعزلتهم.
تحدي وتنازل
يتدرج الفنان المُبدع في حياته الفنية، ليبدأ من اتجاه، وخطوة، ويتعداها إلى اتجاهات، وخطوات أخرى، وهذا ما حدث للفنان الستري، الذي ينتمي إلى المدرسة الواقعية، حيث بدأت ريشته، بمعانقة البيئة والطبيعة، ومُحاكاة الواقع وتراث المنطقة، مُستفيدًا من قراءة لوحات، نسجها فنانون سبقوه، معتبرًا إياهم المدرسة الفنية التي يستقي منها الفنان الطموح الأسس للرسم، والتشكيل باللون، وقال: “أسرتني المدرسة السيريالية، وعقلها الباطني، وجرأتها، فأخذتني لأسلوب المدرسة الرمزية، حيث أقوم برسم العنصر الواقعي، وأحاول إبرازه بصورة رمزية، مُعبرًا عن فكرة ما أتركها للمُتلقي”.
وأشار إلى أن كُنه الإبداع يأتي بالإضافة إلى ما يتمتع به الفنان من إمكانيات وأدوات فنية ورؤية، مؤكدًا أنه ينبغي على الفنان أن يتمتع بالتحدي في ذاته وفكره، ويشحذ همته وإرادته بلا كلل أو ملل، أو الركون إلى التبلد، والتمتع بالتنازل عن أسلوبه، وشخصيته الفنية الخاصة، ليقتحم تجارب أخرى.
ولفت إلى أن ثمة شعوراً يعتريه كفنان أحيانًا كتحدي الذات، والوصول لشيء في البال، والعيش مع اللوحة بكثير من الأسئلة والحوار مع الأفكار، والجمال في اللوحة بعد الانتهاء، وعندما يقرأها المُتلقي بنظرته وفكرته، مُحاولًا أن يتقلد فكر الفنان ليبرز هنا جمال الرمزية.
وعن تنوع الاتجاهات الفنية بين الانطباعية والتكعيبية والسوريالية، أوضح أن التنوع بالأساليب والمدارس الفنية، هو جو جميل وصحي لإثراء الساحة البصرية، وإشباع المُتلقي، مؤكدًا أن الاختلاف في الأساليب الفنية، يأتي من كون الروعة وجمالياتها ورغوتها الفنية تبعث الروح والتناغم التشكيلي في الساحة.
ودعا الفنان إلى التحلي بثقافة التنازل الإيجابية، وقال: “إن الفنان لا بد أن يتنازل أحيانًا عن أسلوبه وشخصيته الفنية الخاصة، كون الجو الفني، والعرض المطلوب، يتطلب ذلك، موجهًا رسالة لكل التربويين، قائلًا: “شجّعوا وساندوا المُواهب المُقبلة لإشباع هواياتهم، من خط ورسم وشعر وكتابة، فإن هناك كلمات بسيطة ما شأنها اكتشاف فنان وكاتب ومصور”.
قيمة كلّ امرئ ما يُحسنه
وذكر الفنان مُتعدد المواهب، ومتنوع المشارب والاتجاهات الخطاط السيد حيدر العلوي، الذي يُعد أحد الفنانين القلائل، الذين يجمعون بين الرسم والخط والنحت أن ما يُحسنه الإنسان هو ما يمثل قيمة في حياته، مستشهدًا بما نُقل عن الإمام علي (ع)، قوله: “قيمة كلّ امرئ ما يُحسنه”.
وأشار إلى أن جيله، كان جيل السبورة والطباشير، ومادة الخط العربي والتعبير والإملاء، ودفتري الصف والواجب، ودفاتر الكشكول، ليتعلق بالخط العربي، موضحًا أن المُجتمع والبيئة لهما دور كبير في حياة الفنان، لا سيما المُجتمع العائلي.
ونوه بأنه من عائلة تتحلى بوجود المُبدعين في الخط والنحت والرسم، مبيّنًا أنه استفاد كثيرًا من أخيه الذي يكبرُه عمرًا الفنان والنحات السيد هاشم العلوي، بعدها كانت الفائدة مُتبادلة، مع أخيه، الذي يصغره عمرًا، وقال: “إن أخي الأكبر النحات السيد هاشم كان خطاطًا ورسامًا، يتقن فن الكاريكاتور، وله مشاركات في الجرائد، إضافة إلى أنه قارئ شغوف بالأبجدية، ومثقف وشاعر قبل أن يصبح نجارًا، أو نحاتًا”.
وتابع: “رأيته يرسم الخرائط، ويعمل الوسائل التعليمية، وكانت له جداريات داخل المنزل، لرسوم كرتونية، وقرأت عنده بعض الكتب منها الروايات الأدبية”، مؤكدًا أن الموهبة تبقى هي الأساس، ومن ثم يأتي صقلها وتطويرها.
ولفت إلى أن البيئة المُتمثلة في المُحيط العام تُكسب الفنان الصور البصرية، كوجود بساتين النخيل، التي تُحيط بلدته القديح من جميع جوانبها، بالإضافة إلى أن جدتيه من والديه، كانتا تعملان على سف الخوص، وعمل السلال والحصير، مما أثر على ذائقته الجمالية، ولغة عينيه البصرية، ليتأثر بذلك.
وأرجع أنه بجد نفسه كلاسيكيًا على المدرسة التركية لدراسته التربية الفنية وهو تخصص شامل في الفنون، حيث إنه يمارس الخط العربي، والنحت، والتشكيل، منوهًا بأنه توجد لديه تجربة في الدمج بينها، وهي استخدام الخط العربي في المنحُوتات.
الفنان المُسلم
وأوضح أن الخطوط احتفظت بأصالتها لارتباطها بتدوين القرآن الكريم، والمخطوطات في جميع المجالات من العلوم والفنون، وارتباط الخطوط بوظيفة كعمارة أو نسخ المصاحف، وأيضًا لبعد الفنانين المسلمين عن رسم ذوات الأرواح، والاتجاه للزخرفة، والتجريد والتحوير، وتطوير الخط العربي، واعتباره هوية عربية إسلامية وميزة، يتميز بها الفنان المُسلم عن الفنون في الحضارات الأخرى.
واختتم حديث بأبيات شعرية، تتحدث عن الخط العربي، وهي:
تعلم قوام الخط ياذا التأدب
فما الخط إلا زينة المُتأدب
فإن كنت ذا مال فخطك زينة
وإن كنت محتاجًا فأفضل مكسب
الجانب الوظيفي
وتحدث الخطاط حسن رضوان، المختص في الخط، والحاصل على إجازات وشهادات عديدة، عن التجديد في الخط العربي، وذكر أن المشهُور منها منذ مدة طويلة: النسخ والرقعة والكوفي والثلث والمغربي والأندلسي.
وكانت إجابته عن سؤال هل هذه الخُطوط ثابتة لا تتغير ويمكن الإضافة عليها؟: “إذا تم الرجوع إلى التاريخ، سيُلاحظ أن التطور الموجود فيه موجود منذ عصر صدر الإسلام، وتحديدًا حين كانت الكوفة عاصمة الدولة الإسلامية، فحينها كانت الخطُوط مُتنوعة”ً مبيّنًا أن الأسباب تعود إلى فكرة الجانب الوظيفي في الخط العربي، وأن الخطوط المُنتشرة، يوجد غيرها الكثير، لكنها لم تعرف الانتشار، وأن الخط العربي أشكاله بالمئات، وهذا لا يعني أن الخطوط المُندثرة ليست جميلة، ولكن الجانب الوظيفي قد أهملها.
وحدد أن الخط الكوفي ينقسم إلى 80 نوعًا تقريبًا، مُنوهًا بأن الخط العربي، يتأثر بثقافة المنطقة، التي وجد فيها، مُشيرًا إلى أن الخط الكوفي انتقل إلى المغرب العربي، وتأثر بالثقافة المغربية وحضارتها، فتنوع وتشكّل، وهذا يسري على بقية الدول، كالأندلس ومصر.
وفسر سبب شهرة بعض الخُطُوط، بأنه يكمُن سبب شُهرتها في الجانب الوظيفي لها، مدللًا على فعالية الجانب الوظيفي بأن خط النسخ، الذي وجد في عام 600هـ، بقاؤه جاء من خلال الجانب الوظيفي، لأنه يُستخدم في كتابة المصاحف، وكتابة الدواوين الشعرية.
وأشار إلى أن خط الرقعة، ابتكر للجانب التجاري البحت، لاستخدامه في البيع والشراء في الأسواق، والمُراسلات السريعة، مُضيفًا أن الخط الديواني الجلي، ابتكر للمُراسلات الرسمية بين الولاة، وقال: “اشتهر الديواني في كتابة الكتب الحديثية واليافطات للمجامع، وجداريات المساجد، مؤكدًا أن ابتكار الخط العربي لم يتوقف.
وعن مشاريعه، ذكر أنه بين الفترة والأخرى يُخفف من سرعة الإنتاج، سعيًا إلى إعادة الحساب فيما مضى وما هو قادم، إضافة إلى قراءة الساحة، مرجعًا ذلك إلى رؤاه في الخط العربي كنص، أو طريقة التعبير عنه من خلال الخط.