صيدلية الطبيعة

إن الحكمة المتوارثة تقول “من رأى ليس كمن سمع”، وبعد أن شهد الإنسان تفشي الأمراض الوبائية التي فتكت بالإنسان دون مقاومة، تعرضنا إلى تهديدات مستمرة، فنحن لم ندرك أهمية تقوية مناعة الجسد، كان يمكن أن تقودنا إلى زيادة الخلايا المناعية وتُحسِّن قدرتنا على منع العلل من غزو الجسم.

سمعنا في العصر الحالي صيحات ومطالبات جادة بالعودة إلى الطبيعة أو ما يسمى “صيدلية الطبيعة” والتي تضم المواد الشافية، التي يحتاج إليها الجسم دون أن يكون لها تأثير جانبي، كما هو الحال في الأغذية والأدوية الكيميائية المصنعة، بل ما لبث أن انضم لهذه المطالب بعض المنشغلين بالطب الحديث.

تعتبر ثمار الأرض أحد المناجم الضرورية للصحة، ورافداً أساسياً من روافد الغذاء الصحي، منها نجني فوائدها الغذائية، وتظل أخف على الهضم وأبسط تركيباً وأسرع تمثلاً في الجسم، وليس من الغريب أن تشهد مراكز الأبحاث والدراسات العلمية هذه العودة إلى “صيدلية الطبيعة”، التي تتيح للجسم بناء ذاته بعيدًا عن أية مضاعفات قد تكون سلبية.

نحن نؤثر في الطبيعة وهي تؤثر فينا، بيننا تفاعل بصفة مستمرة، شئنا أم أبينا، فهي التي تمدنا بالطاقة والغذاء والدفء، ولأن الغذاء هو الدواء، فإننا نقدم هذه المقالة لتكون دليلاً على أهمية “صيدلية الطبيعة” والتي يلزم توفرها لدى كل بيت ليتحقق لأفراد الأسرة الصحة المنشودة.

ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو لماذا تميل النفس إلى ما هو طبيعي؟ والإجابة هي أن الإنسان يجني من الطبيعة ثماراً رائعة، وألوان جميلة تبعث في النفس ألف إشراقة وإشراقة ورائحة عطرية تملأ الأثير وتجذبك إليها.. منشطة للبدن، وتمنحنا الطاقة والغذاء والدفء والنمو، وفوائدها جمة غذاءً ودواءً.

التحدث عن الصحة والمرض ومشكلات الغذاء أمر ليس بالسهل تغطيته فهو يقودنا إلى الحرب الخفية التي نخوضها ضد شركات التصنيع الغذائي واستخدامها جميع الوسائل السوقية وما تحمله من مخاطر نحن في غنى عنها، أمسكت بخناق الناس وسببت لهم العديد من الأمراض.

كثيراً ما يشكو بعض الشباب ممن لم يتجاوزوا عقدهم الثالث، من السكري وضغط الدم والإمساك وسمنة غير مرغوبة والتهاب الأعصاب وانحطاط القوة والتعب، وربما أدى بهم ذلك إلى أمراض ليس لها علاج، ثم نتساءل: وكيف الطريق للتخلص من تلك الأسقام؟

ما إن تواجه شاباً ممسكاً بفطيرة جافة حتى تبادر إليه متسائلاً: أتظن أن هذا الطعام يمنحك الصحة؟

“لكي تغذي جسماً حياً، يجب أن تعطيه أطعمة حية”.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأطعمة التي نسميها “حية”؟ والإجابة باختصار: هي ما أنتجته الأرض الخالصة الخالية من الكيماويات ومواد أخرى، هي في الحقيقة الأطعمة الطازجة المشبعة بنور الشمس وبالعصارات الحية.

لا شك أن ثمرة الأرض الطبيعية من المقومات العلاجية غنية عن التعريف لدى الإنسان منذ فجر التاريخ تقريباً، لأنها من أفضل الأطعمة الموجودة التي يمكن أن تجعلنا نشعر بالعافية ونبدو أصغر سناً مما نحن، وتطيل أعمارنا بإرادة الله سبحانه وتعالى.

لو تأملنا حالنا اليوم مقارنة بما كان عليه الآباء والأجداد، كيف كانوا يعيشون مع قلة الموارد المادية، كانوا يعيشون بين أحضان الطبيعة، ويتمتعون بصحة جيدة وحياة طويلة، لأنهم لا يأكلون إلا أطعمة طبيعية، هم يأكلون ما تقع عليه أيديهم من رزق الله، كان الطعام طازجاً ولم يفكر أحد أن يخزن اللحوم أو الأسماك أو الخضراوات.

ولو تأملنا في المقابل عيشتنا اليوم لوجدنا كثيراً من الأخطاء الصحية، أصبح طعامنا ليس طبيعياً والحديث عن المصنع ذو شجون، فهو مليء بالمواد الكيميائية، يتعب من يتناوله وفاقد للعناصر المغذية التي يحتاج إليها الجسم ليكون في نشاط وحيوية.

لطالما نسمع من أجدادنا وكبار السن المحيطين بنا عن فائدة العلاجات الطبيعية لكثير من الأمراض عوضًا عن استخدام الأدوية والعقاقير الممتلئة بالمواد الكيميائية ذات التأثير السلبي على الصحة.

اتباع العادات الغذائية الخاطئة، أدى إلى نتائج خطيرة سببت لنا مشاكل صحية، وبتنا نسمع عن أمراض ما كنا نسمع بها أبداً، وموتى لأسباب غريبة، بعد أن كان الناس وخصوصاً سكان الأرياف والقرى الزراعية والتي تُعْرف بـ البيئة الطبيعية، يتفاخرون بأنهم لم يذهبوا قط إلى طبيب، ولم يغادروا حدود القرية طلباً للعلاج.

ومن هنا، رأينا تلك الحالات الشائعة، من انحطاط القوى، واضطرابات الهضم، وجلطات وسرطانات كلها ظواهر مرضية دفعت بالمرضى إلى المستشفيات يلتمسون العلاج غير عالمين أنهم هم الذين تسببوا لأنفسهم بهذه العلل والأمراض، بمخالفتهم سنة الطبيعة، مبادئها وقواعدها.

إن متاعبنا الشخصية مهما كان نوعها توجب علينا أن نختار الأغذية الطبيعية، والابتعاد عن الأطعمة المصنعة والمعالجة كيميائيا والمحورة وراثياً.

هناك شطائر الهامبورجر والبطاطس المقلية والمشروبات الغازية والعصائر المصنعة، والبيتزا المحشوة بجبن الموتزاريللا المعدلة بالزيوت النباتية وبصلصات مليئة بالإضافات الاصطناعية، والفطائر والمعجنات المحشوة بالسعرات الدهنية، ولم نكتفِ بذلك بل حتى اللحوم مجهولة الصلاحية في أصلها، بل ويزيدونها إنهاكاً بقليها، وبعيداً عن القيمة الغذائية لمثل هذه الممارسات فإن من يتناولها يتلذذ بقرمشتها، والكثير الكثير من الأطعمة الغارقة بالصلصات والزيوت المهدرجة والمحليات الاصطناعية، والخلطات السرية، مصنوعة من مواد رخيصة الثمن، هي غير ملائمة أبداً للصحة، لأنها ستحرم الجسم من عناصر مهمة متوفرة في الأغذية الطبيعية.

هذه الحالة المؤسفة التي وصلت إليها حياة الإنسان في عصر التقنيات والوجبات السريعة التي أفرغت الغذاء من محتواه الحياتي، وجعلته مجرد مواد يضعها الإنسان في جوفه لتمسك عليه حياته، غير عابئ بما يترتب بعد ذلك.

إننا لا نقبل دليلاً على صحة تغذية جيل من سبقنا، هم كانوا يتناولون الأغذية بحالتها الطبيعية، لقد بدأنا ندرك بأن أساليبنا في التغذية غير صالحة، وإن أحسن الأغذية تفقد قيمتها الغذائية بمجرد معالجتها صناعيًّا، فجيلنا يدفع الثمن!

والغريب في الأمر أن العودة إلى عادات ضاربة في القدم يكون أمرًا ضروريًا أحيانًا كي نحل مشاكلنا الصحية في هذا العصر، فقد كشفت دراسة حديثة عن أن الأطعمة التي كان أجدادنا يأكلونها بإمكانها أن تحسن، وبشكل عجيب حياتنا الصحية.

أيام كنا لا نعرف غير البلدي، من يوم ما وعينا على الدنيا، اليوم نفتقد تلك الأغذية الطيبة التي لا تقدر قيمتها، نشعر كم هي غالية أو حميمة، نشعر بقيمة “السمن البري” و”قرص البر” و”اللبن الرائب” و”الدجاج البلدي”، طعم رائع، ونكهة لا تقاوم، وقيمة غذائية بدون مضافات وهرمونات ومواد حافظة.

إن مثل هذه الأغذية هي الأغذية الطبيعية الحقة، ولن نكون بحاجة إلى أية أدوية، كما هو الشأن في من يتناول الأغذية المصنعة.

إن الصناعة الغذائية تدرك تمام الإدراك أن اختلاف جودة المنتجات المصنعة عن المنتجات الطبيعية ناتج من العمليات التصنيعية التي تلحق بالمستهلك ضرراً ومصائب غذائية جديدة.

حاول أن تتعود أكل الأغذية الطبيعية فهي مفيدة وشهية، تناول الفواكه والخضراوات وهي طازجة، والحبوب وهي كاملة، فستملأ لك خزان الوقود الذي يزودك بالطاقة التي تحتاج إليها، فستكون أكثر قوة وستشعر بطعم الحياة ألذ وأطيب.

إن النصيحة الدائمة في استهلاكنا للأغذية حتى نحصل على فوائدها؛ تكون باللجوء لمصادرها الطبيعية، ولا نلجأ للأغذية المصنعة إلا للضرورة، وطزاجة الأغذية من العوامل التي تساهم في الحفاظ على محتواها الغذائي.

موجات الخوف والقلق التي اجتاحت العالم نتيجة تفشي الأوبئة هي في النهاية حصيلة التلاعب بالمعطيات الطبيعية، وهكذا لم يعد هناك أي مقاومة طبيعية ضد الأمراض.

والقاعدة الذهبية لنظام التغذية الصحية هي الاتجاه نحو تشجيع الزراعة الطبيعية المبتعدة عن كل مؤثر كيميائي أو تغير وراثي؛ لتنمو وتزاحم الزراعة الإنتاجية وتفرض نفسها بقوة على السوقِ، وقد سجلت الأغذية العضوية أو الطبيعية نجاحات علاجية كبيرة شكلت حصناً منيعاً أمام الأمراض المستعصية.

وقد يظن البعض أن الاعتماد على الأغذية الطبيعية والابتعاد عن الأطعمة المصنعة في وقتنا الحاضر يعد أمراً صعب التطبيق بسبب تغيرات العصر ومعركة الحياة اليومية، لكن يجب أن نؤمن اولاً أننا نتناول الطعام كيفما اتفق وبعضه غير صحي، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يجب أن نوفر تلك الأغذية في وجباتنا اليومية لكي نحصل على صيدلية الطبيعة؟ الجواب طبعاً نعم، فنحن نستطيع أن نكّون لنا غذاءً من الأرض الطيبة، المهم الإرادة، وإذا وضعنا هذا الأساس أمام أعيننا، فإننا لا نحتاج إلى تقليد الآخرين في طعامهم، والنتيجة أن أي مجتمع يستطيع أن يُكّون غذاءً طبيعياً من الأغذية المحلية ويتم إعداده جيداً في البيت، والعنصر الأساس هو الوعي الصحي والغذائي، هو أمل فوري لنا أن نحمي أجسامنا من المرض.

أسواقنا المحلية مليئة بالأطعمة التي نأكلها مباشرة دون التدخل الصناعي، فهي موجودة في الفواكه والخضراوات الطازجة والبقول والحبوب الكاملة، واللحوم والدواجن والأسماك الطازجة، وحتى منتجات الألبان بالإمكان الحصول عليها من المزارع المحلية، هي أغذية تُؤكل مباشرة من الأرض دون حفظ بالثلاجة، وتسقى من مياه نظيفة غير ملوثة، تلك هي قدرة الله عز وجل صنعتها ولا يستطيع العقل البشري عملها، يد الخالق سخرتها وجمعتها في ثمار وأعشاب الأرض، ويستحيل على الإنسان أو مصانعه أن تأتي بمثلها.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي