وقفة مع شاعر الارتجال والمعنى

لم تكن قنوات التواصل الاجتماعي مجر نافذة يتواصل من خلالها الأشخاص، يفعلون من لغة التواصل، أو التلاقح الثقافي بمختلف مشارفه وألوانه.

اتخذ البعض من مغرمي اليراع والفكر والأدب من هذه القنوات ظلًا، يمثل في حياتهم الصندوق، المعني بالتوثيق، لذا تجدهم يفرشون إبداعاتهم في ترابها، لتنمو زهرًا، وتتدلى بقوامها على خطوات ساقيها الناعمتين.

هنا، جاء الشاعر عقيل المسكين، الشاعر، الذي إن سمح لي نعته، سأقول: إنه شاعر الارتجال والمعنى، وتحت وسم “#بيت_يتيم”، يسافر المسكين بالقارئ إلى ألوان مختلفة من الفكرة، ليراقص المعنى بكل اتجاه، فلا تقرأ إحداها، إلا والمعنى، يغازلك في دقائق يومك.

في 500 بيت ارتجالي، يعيدنا فيها إلى روعة القصيدة العربية، حيث إن أبجديته، تحتفظ بقوام القصيدة العربية، وفصاحتها، وأناقتها، وفي ذات اللمحة الإبداعية فإنه حداثي المعنى، والحبكة الدرامية.

لماذا اختار لهذه الأبيات وسم “#بيت_يتيم”؟

وفي الإجابة، التي لا تبرح أن تكون مجرد تأمل فيما هو كائن، لأرى أن اليُتم هنا، يحكي ذاتية الشاعر المُتفردة، لذا، فإن المُبدعين، يبصرون أنفسهم غرباء، لهم ديدنهم في أبجدية التفكير، لهم أسلوبهم في رؤيتهم للأشياء من حولهم، لهم أمنياتهم، التي يحلقون باتجاهها، يرتشفون من ألم اللحظة زادهم، وافتراش ربيع الأمل على رمل أحلامهم، لتأتي مع رائحة الفل والياسمين.

تنوعت الأبيات الشعرية، لتبحر في أكثرها المعاني، كأنها البوح، الذي يُترحم الفكر، ويستفيق على نغم الذات، وترتيب عشوائية الأبجدية، يقول في بعض بوح:

كتبت لطفلة بيتًا فهامت/ تلحنه بأعذب ما يكون

وفي الحقيقة، إن الشاعر المسكين عقيل، يأخذنا عبر هذه الأبيات اليتيمة، لنشعر أننا أمام مرآة، تُشعرنا أن الأبجدية، هي الجمع، الذي يُبعدنا عن الوحدة، كأنها الأنامل، تمسح على وجنتيّ يتيم الدفء، والفكر، لتقرأ الأحرف، وتُرددها بذاتك قبل شفتيك، لتصغي إلى اللحن، كسيمفونية، تُعانق الخلجات، ليُصفف يتيم الأبجدية رمشيه، كرغوة الروح، فوق رعشة الأمنيات، كالدهشة، ما بين اللحظة الشعرية، والبوح، والإصغاء.

يعيش الشاعر في البيت اليتيم، حالة السلام الداخلي، عطفًا على الحياة، ليُسطرها أحرفًا، تُغذي القارئ بكل ما من شأنه، أن يجعله في وفاق، مع ذاته، مع الأفكار من حوله، مع الشخُوص، والزمكانية، وفي بوحه لمسات جنون، وفي بوحه، يقرأ الأشياء بعمق، ليكون ولوجه فيها، كالإسفنجة، يعتصرها، ليلمس قطرات الماء بين أصابعه، يُصيغها شعرًا، يقول:

الريح في البيداء بوح طبيعة/ لكننا لغة الطبيعة نجهل

أراني في جماليات بيته اليتيم، يتيم المعاني، لأصوغها، وعليه، فإن الشاعر، كشاعرنا المسكين، إذا ما أتقن الإصغاء إلى لغة الطبيعة والأشياء، إذا ما أتقن لغة الصمت، ليحفرها في ذاكرة الإنسان، لغة، لا تشبه اللغات، لتكون لغته الخاصة، وإن يُصَدَّق القول لأمثالي، أقول: إنه بين دفتي البيت اليتيم، حالة شعرية مُتفردة، وسلاسة في اللغة، تنساب من خلالها المعاني العذاب.

ختامًا، نحن أمام بيت يتيم، يبعث الحياة، ويجعلنا، نستذكر من خلالها روعة الشعر العربي، ولغة الضاد، إذا ما استرقت النظر، إذا ما تعمقت فيه، سأقرأ، ليس شعرًا فقط، ولكن فكرًا، له من الزخم الثقافي، ما يجعلنا ننهل منه بلا ارتواء.

برأيي المُتواضع، أن النص الشعري، الذي حين تقرأه لا تمتلئ منه، فكلما قرأته، تزداد ظمأً إليه، لتغرق فيه أكثر، هو الشعر، الذي تحتاجه الذائقة، وتهفو إليه، والبيت اليتيم، للشاعر عقيل المسكين أنموذجًا.



error: المحتوي محمي