تضيق السبل وتتغير الطرُق وتتبدّل الأحوال ويبقى الحبُّ هادرًا كشلالٍ سماويّ يغرق الأفئدة ويغمر الحواس إيذانًا باستمرار فجر الرسالة في بزوغه السنويّ.
فكان بين شيخ الأباطح وأم المؤمنين -عليهما السلام- طريقٌ مسلكه واضح للشعراء والرواديد تحت مظلةٍ تفيّأَ تحتها الشعر واستراحت بروعتها الحناجر.
واصلت أمسية الناصرين في السنة العاشرة على التوالي لمعانها على أثير الشبكة نظرًا لما يمر به العالم من ظروفٍ استثنائية فرضتها الجائحة التي أغلقت الدور وباعدت الأجساد لكنها لم تستطع بطبيعة الحال أن تزحزح القلوب العاشقة عن التعبير والعطاء في حب الناصرين.
استمرّت الأمسية قرابة الساعتين على صفحة الشاعر علي البحراني في الإنستغرام بين تصفيق الجمهور الغفير المتابع وتعبيرهم بالإعجاب تارةً وبعبارات التفاعل التي اكتظت بها الصفحة تارةً أخرى.
بدأت الأمسية التي قدّم لها الشاعر علي البحراني بتلاوة للقرآن الكريم مع أبي حمزة السني تلاه بعد ذلك الشاعر حسن راضي آل شبيب من القطيف بقصيدتين باللهجة الشعبية؛
يقول في قصيدته لأبي طالب عليه السلام والتي كانت على نمط التفعيلة:
“ما أفاخر سيدي
إلا لما يقولوا مثلك آنا شاعر
ياللي نبضك چان أنفاس الرسول
واحنا عشاگه نگول
مو بيدينه
أمن الله من نذكر (محمد) لازم نذكره (علينا)”.
وقال في قصيدته الأخرى للسيدة خديجة عليها السلام مفاخرًا بعقيدةٍ لا يزعزعها شيء وباللهجة الشعبية أيضًا ولكن بنص عمودي هذه المرة:
“نون النسوة دونچ ناقصة انگول
وانتي الطاهرة المابيها نقصان
الله مكملچ يا ناصرة الدين
يا نهج الوحي وللعزة صيوان”.
وجاءت مشاركة الشاعر عقيل اللواتي من سلطنة عمان الذي آثر على نفسه المشاركة في الأمسية رغم تأخر الوقت نتيجة لاختلاف التوقيت بين المملكة والسلطنة؛ لكنه حب النصرة.
افتتح الشاعر العماني عقيل اللواتي مشاركته بمقطوعاتٍ وومضاتٍ أولها سينيَّة عن شهر رمضان المبارك:
“رمضان آياتٌ وصوت تهجدٍ
ومآل قلبٍ بالخشوع تأسسا
وإذا أتى فالروح تفرش وردها
حبًا لمن في القلب ودهمُ رسا”.
وشرع بعد ذلك في العروج للسيدة خديجة -عليها السلام- من باب ابنتها الطاهرة المعصومة سيدة نساء العالمين فاطمة -عليها السلام- حيث قال:
“بفاطمة سمو الأم يسمو
وهذا الفضل أسماها نتيجة
لأن البنت فاطم بنت طه
تسامت بالعلو بها خديجة”.
وتحدث عن أبي طالب عليه السلام فقال في بداية ومضته:
“شيخ الأباطح من حامى ومن كفلا
والضامن الواصل الفادي لمن وصلا
الحب منهجه في السر والعلنِ
على يديه كمال الدين قد وصلا”.
وأعقبها بقصيدةٍ عن ذات الشخصية العظيمة عنونها بـ”تجلي الوفاء”. قبل أن يختتم مشاركته بقصيدةٍ في السيدة خديجة -عليها السلام- كان عنوانها “مأمن الحب”.
وبالنسبة للرواديد؛ فلأن الصوت المشجي ركيزة أخرى للشعر ولخصوصية هذه الأمسية الرثائية كان للرواديد حضور لا يقل وهجًا عن حضور الشعر؛ فبعد مشاركة الشاعرين حسن شبيب وعقيل اللواتي جاء الرادود الحسيني علي المويل من الكويت لينقل المشاهدين في رحلةٍ وفسحةٍ سماوية بقصيدتين متأملًا بهما القبول من صاحب العصر والزمان – عجل الله فرجه.
قال في أولى مشاركاته:
“يابو طالب
آدم عرج ويّا روحك
يابو طالب
نوح اعلى گبرك ينوحك”.
وقال في ثاني مشاركاته:
“ماتت خديجة الطاهرة
والصوت صاح وتردد
يا ناعي هاي السيدة
هاليوم واسي محمد”.
واتجهت بوصلة الناصرين لمملكة البحرين مع الشاعر سعيد العصفور الذي وصفه المقدم علي البحراني بشمعة شعراء البحرين والذي شارك هو الآخر بقصيدتين
بدأ الأولى لأبي طالب عليه السلام الذي عاش العذاب لكي يحفظ نبي الأمة -كما عبّر- فقال في مطلع نصه:
“خضّرت الوفا يوم الوفا صحراء
وزرعت بكل ضماير للعشق شتلة
ورغم ما المرّ گبل يستوطن الناس
چنت تستطعم المر والله محلّى”.
وقال في السيدة خديجة عليها السلام:
“يا رسولة حب
يا تاج الكرامة
يا ندى فوگ الخلگ يگطر شهامة
انتي مو بس زوجة الهادي البشير
انتي هالة نور من الله مقامه”.
وكانت هناك عودة من مملكة البحرين للمملكة العربية السعودية مع الشاعر علي الناصر الذي شارك كإخوته الشعراء بقصيدتين إحداهما على بحر الرمل والأخرى على البحر الوافر وبتمكنٍ عال؛
قال في قصيدته لأبي طالب -عليه السلام:
” في رحاب الله من ذا أوَّلك؟
هل تُرى الآي بشوقٍ رتّلك؟
من على ثغرك وحي الله قد
أنزل القرآن لما أنزلك”.
وألقى قصيدته لخديجة -عليها السلام:
“هناك إلى رؤاي مددتُ كفّا
أزمُّ المشتهى لطفًا فلطفا
وأختبر الحنين بملء حلمي
سؤالًا تاه في معناه وصفا”.
واتجهت البوصلة من واحة لأخرى ومن جنة لجنة وأشارت بعد ذلك إلى أمريكا ولكن مع الرادود محمد العنكي من القطيف الذي نصر الناصرين من غربته بشجو وحب عظيمين؛ فقال العنكي ناعيًا بجزأين من قصيدتين مختلفتين:
(1)
“يا طه بأحزانك هاجر
راح الناصر والكفّال
چنت بظله تبلّغ آمن
وهو الضامن تبقى الآل
لو ما كان بهالأعوام
ما يثبت ركن الإسلام”.
(2)
“أبصغرها فاطمة قصدت له بالعبرة
تنادي الغوث أدرك أمي الدرة
أدرك خديجة بگلبك الراحم
رادت تودعك يا أبو القاسم”.
وحضر من العراق الرادود الحسيني قحطان البديري حضورًا مهيبًا حيث أثرى الأمسية حتى تجاوز عدد من حضروا البث الـ400 ورغم شح الإضاءة في مكان بثه إلا أن ضوء محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) كان يشع من حنجرته مع ضيق وقته وانشغالاته فقال في تنوعاته النغمية والمقامية فيما قال:
“هو ذا رسول الله غاب نصيره
عمٌ حمى وزوجة لم تخنعِ
هزمت أذى المتربصين دوائرًا
بالمؤمنين وبالنبي الأرفعِ
بذلت فدا الإسلام ما ملكت ولم
تبخل بأموالٍ وفخرٍ أروعِ”.
واستكمل في العراق شارك الشاعر أبو يحيى المسعراوي نصرةً للناصرين بتواضعه الجم حيث بدأ بلوحة لأبي طالب عليه السلام قال فيها:
“من راد ناصر للرسالة المختار
گام أبو طالب للنبي ودگ صدره
وگله آنا خيمة لحضرتك والإسلام
ماگله عوف الدعوة يابو العترة
جرّد علي من ظهره ماجرّد سيف
خيّرهم الدگ بابه يكسر ظهره!”.
وشارك بمقطوعة أخرى لسيد الشهداء عليه السلام رغم تقطع البث.
وكان آخر المشاركين الشاعر لؤي حبيب الهلال الذي شارك بقصيدة فصيحة يتيمة يقول في مطلعها:
“شيخٌ إلى طرق السماء طريقتُه
في عتمة الليل اتّقد
هو وحده عبر المدى
بيديه يحمل أزمنة التقى وعصا نبي
وبمقلتيه خريطة نحو الهدى ورؤى وصي”.
وفي ختام الأمسية، شكر الشاعر علي البحراني المشاركين والمتابعين واعدًا إياهم بأمسيتين في العام القادم واحدة حضورية -بزوال الجائحة- والأخرى عن طريق البث -بمشيئة الله تعالى.