من نعم الخالق عز وجل علينا أنه زود أجسامنا بمواد طبيعية تبطل العمليات التأكسدية، بالإضافة إلى أن الأغذية الحية تحتوي على كثير من الفيتامينات التي تقوم بهذه العملية وتسمى مضادات الأكسدة، والذين يعانون نقصًا أو سوءًا في التغذية يتعرضون للإصابة بالأمراض المعدية بسبب حدوث خلل في الجهاز المناعي.
إذًا، جهاز المناعة مسؤول عن حماية الجسم من غزو الميكروبات والمواد الغريبة الضارة ولا يدمر خلايا الجسم.
الحقيقة أن الغذاء هو الحياة، حيث تستطيع جعل الغذاء دواءً أو مرضاً، كما يعني الاعتدال في الكم والتنويع والتوازن، لأن ما يدخل فمك يؤثر في خلاياك وسوف يغيِّر صحتك وشكلك وجاذبيتك ومزاجك وطاقتك وتفكيرك وحياتك، ونومك وعملك، والاسترخاء، وأن تكون أكثر توازنًا وسعادة.
فالجسد الذي أحسنت تغذيته يشعر بأنه أقوى وأوفر صحة، فالاعتناء بنفسك داخليًا وخارجيًا هو المفتاح لتقدير أعلى للنفس والثقة بها.
تأكد علميًا أن تناول الأغذية بصورتها الطبيعية المشبعة بنور الشمس وبالعصارات الحية تدعم صحة الإنسان وتقويه لما تحتويه من مواد نافعة، تحسن الجهاز المناعي وتحمي الجسم من الأمراض.
“لكي تغذي جسماً حياً، يجب أن تعطيه أطعمة حية”.
فكروا قليلاً، واستحضروا في ذاكرتكم مقدار إيرادكم من صحتكم، ألا تريدون أن تتجنبوا الأمراض؟ ألا تريدون أن تحتفظوا بالحيوية والنشاط والجمال؟
ندخل بعد هذه المقدمة إلى مجموعة من المفاهيم المختارة نضعها في إطار التوعية الصحية:
– دعونا نتجنب شراء اللحوم الحمراء والدواجن من محلات غير موثوقة سواء لحوم طازجة أو مجمدة، فخطر تلوث اللحوم بالمضادات الحيوية والهرمونات أكثر حينما تُسوّق حيوانات المزرعة حية، هنا نتوقف على بعض سلوكيات تجار اللحوم وأصحاب مزارع بيع المواشي التي تقوم بتمويل محلات بيع وتصنيف اللحوم؛ فهناك من يستعجل بذبح الحيوان مباشرة دون إعطائه الوقت الكافي للتخلص من بقايا تلك الملوثات، بينما يعمد آخرون أصحاب الضمائر الحية إلى وسيلة وقائية صحية تتمثل في تربية الحيوان وتغذيته بعلف أخضر وعليقة خالية من البروتين الحيواني والإضافات العلفية قبل ذبحه حتى يتم التخلص من تلك الملوثات التي قد تتواجد في لحم الحيوان قبل تسويقه محلياً، فغالبية تجار اللحوم والجزارين ومحلات تصنيف اللحوم لديهم مزارع تربية مواشي وهم على علم بماهية الأدوية البيطرية والهرمونات وخطرها على المستهلك.
من غير الحكمة النصح بعدم تناول اللحوم رغم كثرة الأصوات المطالبة بضرورة التقليل من استهلاك اللحوم الحمراء، وذلك لما تحتويه من ملوثات تؤثر سلباً على صحة الإنسان.
– انتبه.. تواجه عملية إنتاج لحوم صحية وذات جودة عالية تحدياً كبيراً بسبب استخدام بدائل علفية غير تقليدية لتقليل التكلفة على المنتج، هذه النوعية من المواد العلفية التي تُصْنع من توليفات صناعية ومخلفات حيوانية ومواد صيدلانية، هي مؤشر لتدني قيمة وجودة اللحوم، وفقد مقومات الطعم والنكهة الطبيعية، إضافة إلى خطر تلوثها بالسموم الفطرية والجرثومية وبقايا الأدوية البيطرية والمضادات الحيوية ومحفزات النمو والهرمونات، مثل هذه التوليفات محظورة الاستخدام كأعلاف حيوانية، لدا يجب الاهتمام بالتغذية الخضراء والأعلاف الجافة المركزة لتحسين جودة اللحوم وضمان التخلص من الهرمونات والأدوية البيطرية.
– الأكلات في الماضي كان لها طعم ونكهة حقيقية لأن المواد التي كانت تستخدم في الماضي لم تعد تستخدم حالياً، وكذلك طرق التحضير والنار الهادئة ساهمت في لذة الطعم، أما الآن فأصبح هناك طعم آخر، فقدنا مقومات الأكلات الطيبة، المواد الطازجة وسهولة إعدادها، وعدم وجود التقنيات الحديثة التي لعبت دوراً كبيراً في الإضرار بصحتنا.
– كن يقظاً.. اللحم المحترق أثناء الشوي ينتج الكثير من المركبات الكيميائية تدعى الأمينات غير متجانسة الحلقة Heterocyclic Amines كمواد مسرطنة، والسبب ليس في اللحم وإنما من الرماد المتطاير الذي يلتصق على سطح اللحم ناقلاً معه هذه المواد من الفحم والخشب المحروق ويتحد مع دهون اللحم.
وحتى لا يؤدي الشواء إلى مخاطر صحية، يجب إزالة الدهون المرئية، التي قد تسقط على الفحم وتسبب في الاشتعال والتفحم، وقبل وضع الشواء في منتصف الشواية أو المنقلة، حرك الفحم إلى الجانب لمنع الدهون والسوائل من التساقط عليه.
– اختر وجبتك بعقلانية، أكبر تحدٍّ يواجهك هو أن تختار أصناف وجبتك بحيث ترضي شهيتك دون أن تضر بصحتك، والتحدي يكون أكبر حينما تبدأ باختيار ما ستأكله وانت تشعر بالجوع وقدرتك على مقاومة الأطعمة الخطرة في أدنى درجاتها.
اختيارك الأكل الصحي وفن التحكم في كمية الطعام التي تتناولها والنجاح في ذلك أمر ليس بالسهل، لكن البدء في ذلك ومداومة التدرب عليه يجعله أكثر سهولة.
– فكر دائماً، وأنت تختار وجبتك من خارج المنزل، أن تجد مواد مقزّزة في طعامك، ليست بعيدة على أفخم مطاعم الخمس نجوم وتزداد فرصة التسمم كلما قلت درجة المتابعة والنظافة ولكن هل هذا غش؟ لا بالطبع إنما هو إهمال، الغش والإهمال في الأطعمة كلاهما مصيبة، فالغش فعل مقصود والإهمال ترك مقصود ؛ أي ترك للتقييم والرقابة وكلاهما يضر ويقود للتسمم.
– لا تنس أبداً.. أن الصيام يعالج كثير من مشكلات الجهاز الهضمي مثل زيادة الحموضة والقولون العصبي وعسر الهضم والانتفاخات، كما أنه يساعد الجسم في التركيز على تنقية نفسه والرجوع إلى حالة من التوازن، بدلاً من التركيز على هضم الغذاء.
• لنتعود على الجوع كعلاج، إن إحدى مصائبنا الغذائية التي تجعلنا في أحضان “المعمعة” الدوائية أننا لا نجوع، لا نجوع بالقدر الكافي لاستحقاق وجبة طعام، فالجوع يتيح لنا إصلاح وتقوية أجسامنا، وبذلك تصنع من عادات الغذاء، ما يغني عن الدواء.
– حَكّم عقلك فكل شيء يتغير، فإذا كنت معتادًا على تناول الخضراوات المعلبة أو إشباع حاجتك للفاكهة بمقدار من الحبوب سكرية المذاق بطعم الفاكهة، فإنك لا تدري ماذا تفقد، إن الأطعمة المعبأة في المصنع لا يمكن أن تقارن بتلك الأطعمة الحية الشهية التي يمنحها لنا ما خلقه الله.
– ابتعد عن الأغذية المكررة والأغذية المعاملة صناعيًا والمحتوية على نسب مرتفعة من المحليات والمواد المضافة التي ليس لها فائدة تذكر لجسم الصائم.
– كن يقظاً.. هناك مشروبات ينبغي على الصائمين الابتعاد عنها ومنها شراب التوت الصناعي الذي يستهلك بأسمائه التجارية المتنوعة في رمضان وهي مستحضرات صناعية في تركيبها، وتعد معظم مكونات هذه المشروبات المركزة اصطناعية ما عدا الماء، وتستعمل في صناعتها مكسبات طعم ومحليات وأصباغ صناعية في تحضيرها مثل ترترازين وكارموزين وهي من الأصباغ الاصطناعية المسرطنة، ويدعي منتجو هذه المشروبات فائدتها، حيث يشيرون لدعمها بفيتامين C لكن هناك جدلاً علميًا حول فائدة دعم المشروبات الصناعية بفيتامين C نظرًا لكون هذا المركب شديد الحساسية لظروف التخزين الطويل بشكل سيئ في درجات حرارة مرتفعة كالمملكة.
– لا تجعل من موضوع الأكل موضوعاً تغذوياً بل اجعله موضوعاً تربوياً حتى يتعود طفلك على الأكل الصحي بدون نزاع أو مشكلات معهم.
– تمتع بوجبة متزنة، إن اختيار الأطعمة قليلة الدسم عادة غذائية غير متزنة، قد يكون لها نتائج سلبية، فالدهون ليست “شيطان” كما يعتبرها البعض، بل لها دور أساسي في المحافظة على الصحة وتحسين طعم المأكولات وإضفاء نكهة عليها.
احرص على أهمية تكامل الغذاء بجميع عناصره، فالله لم يسخرها لنا عبثاً، وطالما أن الإنسان لا يشتكي من أي مشكلات صحية تحول دون تناول هذا المكون أو ذاك، فلا داعي لإبعاده، فهو موجود بنسبة جيدة ومقبولة صحياً إذا أخذ ضمن غذاء متوازن.
– إن ترك أمر الطعام للذوق الشخصي أمر مقبول نسبيًا، فبعض الناس لا يأكلون دهن اللحم، أو لا يأكلون اللحم أصلاً، ويتجنبون أكل الدسم من قشدة وزبدة وسمن بلدي ويكتفون بالنباتات التي تعامل بالزيت النباتي، بينما يبالغ آخرون في أكل اللحم والدهون والدسم والشحوم والزبد والسمن، وكلا الطرفين واقع بين الإفراط والتفريط، فإن الله تعالى خلق ما في الكون جميعًا وسخره للإنسان، وما من شيء في الوجود إلا وفيه فائدة للإنسان قد يدركه وقد لا يدركه، والمهم تطبيق القواعد القرآنية {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.
– كن حذراً لضمان سلامة غذائك.. الربيان في فترة الحظر يتم فك تجميده وبيعه للزبون كونه ربياناً طازجاً، لا يمكن تناوله لأن عملية الإذابة وإعادة التجميد تشجع الميكروبات على الإسراع في الفساد ويصبح الطعام خطراً.
وأخيراً، كل ما نشربه أو نأكله يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدين لنا، فربما يعود علينا بالنفع العام أو الكثير من الأضرار التي لم نكن نتوقعها على الإطلاق، ما أحوجنا اليوم قبل الغد إلى غرس هذه المفاهيم وسط مجتمعنا وفي عالم تسوده حماقات الساسة وعزة أهل القوة المادية فهو عالم يموت فيه فاقد الحاجة على قارعة الطريق كما يموت فيه في ذات الوقت مالك الحاجة، فميتة الفاقد بسبب الجوع والعوز والفاقة، وميتة المالك سببها التخمة التي كسبها على حساب فاقدها وما شبع غني إلا على حساب فقير:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.