عرّف المدرب تركي العجيان كيمياء الذات بأنها رؤية مبتكرة تغوص في أعماق الذات الإنسانية بما تتضمنه من عناصر متعددة وما تحتويه من جانب وجودي قدره الله بحكمته وآخر مكتسب تتكامل به شخصية الإنسان خلال مسيرته في الحياة، ويتحقق بذلك الوعي الذاتي، ويبحر بك ثانياً ليكون قادراً على ملامسة نقاط الضعف في نفسه ومؤهلاً لتحقيق العلاج الذاتي، ثم تُحلق بك في آخر محطاتها نحو الارتقاء الذاتي، حيث تضع المنهجية الريادية في الحياة، لافتاً إلى أنها ترتكز على هذه الجوانب الثلاثة من الوعي الذاتي والعلاج الذاتي والارتقاء الذاتي.
وتناول شذرات من الوعي الذاتي والصورة الإجمالية بعناصر الكيان الإنساني المكونة من جسدٍ وروح ونفس، مشيراً إلى أن الروح ليست الجسد والروح ليست النفس ومن الخطأ إطلاق نفس المعنى عليها، وأن الجسد عنصر أساسي من الكيان الإنساني والأعضاء الداخلية مبرمجة، وكل عضو له برنامج خاص فيه وعلى أساسه يعمل، وإذا فهم الإنسان طبيعة هذا البرنامج فبإمكانه أن يتعامل بوعي مع أعضاء جسمه وبالتالي يستفيد منه ويحقق الصحة والحياة الإيجابية.
جاء ذلك خلال الأمسية التي قدمها المدرب العجيان بالتعاون مع مجلس التقوى النسائي والهاتف الاستشاري بأم الحمام ضمن البرنامج الرمضاني “يا حبيب من تحبب إليك” تحت عنوان “كيمياء الذات”، وذلك يوم الأربعاء 21 إبريل 2021، عبر تطبيق الإنستجرام (هنا).
وأكد على أن النفس جوهر الذات الإنسانية والكيان الإنساني، والروح هبة الله له ونفخة الروح تعطي للإنسان الحياة، منوهاً بأن الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة والثقافة والإنجازات الإنسانية على مستوى الكون كله وإن أصبح مفكرًا ولم يستطع تهذيب النفس وإصلاحها فلا فائدة لكل ما يقوم به في هذه الحياة.
وبيّن أن النفس البشرية تتكون من ثلاث عناصر أساسية وهي؛ الفطرة والجانب الآخر الغرائز التي يظن البعض بسلبيتها، بينما الاحتياج أساسي للإنسان إذا لم يستخدمها بشكل سلبي وخاطئ، إضافةً إلى أن الله خلق الإنسان بطبيعة وبصمة خاصة به وتختلف عن كل إنسان آخر على وجه الأرض وإن تشابها.
وتطرق “العجيان” إلى الجوانب الأساسية في الكيان الإنساني التي أوجدها الله في الإنسان، قائلًا: “هناك خلط كبير يُطرح في الساحة لهذا الجانب؛ فالجانب الوجودي اختاره الله سبحانه وتعالى للإنسان وله نظام خاص به وأبعاد متعددة وما يرتبط بالجسد أو النفس أو الروح يتناسب هذا الجانب مع دور الإنسان في الحياة وعليه أن يكتشفه ويعمل بوعي، وإما لا يكتشفه ولا يؤثر عليه والحياة تستمر أو يضيع في الحياة ووجوده يصبح كعدمه”، مؤكداً أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتغير هذا الجانب الوجودي.
وأكمل: “عندما يكون الإنسان في اللحظة الواعية وحاضر الذهن ويريد أن يتقمص نظامًا آخر غير نظامه يستطيع، وإنما في اللحظة التلقائية سيكون ضمن نظامه الوجودي، والمطلوب منه أن يتأمل في نفسه حتى يكتشف هذا الجانب في شخصيته فهو الركيزة الأساسية للكيان الإنساني ويتميز به عن سائر المخلوقات”.
واستطرد قائلاً: “جعل الله للإنسان القدرة على الاكتساب والذي يتكامل مع الجانب الوجودي، والمكتسبات أكثر من الجانب الوجودي ويتحقق التغيير في هذا الجانب، لذا يلزم التأمل”، مشيراً إلى أن الجانب النظري في الطبيعة الإنسانية وتعامل الإنسان مع المحيط حوله له اتجاهان؛ اتجاه انبساطي على العالم واتجاه انطوائي على نفسه.
وأشار إلى أن الانطواء والانبساط حالة طبيعية ذاتية وجودية عند الإنسان ولكن درجة الميلان الشديدة هي التي توصل للمرض، منوهاً بأن الانطواء أمر طبيعي لتحقيق الجوانب الفكرية والبحث والتأمل والعمل لساعات طويلة قد لا يتحمله الانبساطي.
وواصل: “الإنسان الحيوي يعي الجانب الوجودي في شخصيته ويتحكم بالجانب المكتسب ولا يميل ميلاً شديداً للانطواء ولا للانبساط ويقوم بواجباته الذاتية”.
وأوضح أن الجانب المكتسب كالمعتقدات والتي تتمثل في الأفكار والسلوكيات التي تغير حياتنا، فوراء كل سلوك يمارسه الإنسان معتقد معين وهو يستطيع أن يغيره، منوهاً بأن الله وهب الإنسان ما من شأنه أن يُدير هذه النفس فأعطاه قلبًا وعقلًا وحواسًا ميزه بها ويُحاسب عليها، مؤكدًا أن النفس هي التي تُهذب نفسها بنفسها وتخرج نفسًا صالحة مطمئنة صافية.
ولفت إلى أن الفؤاد حاسة مجهولة وترتبط بالقلب مباشرة ومن خلاله يمكن أن نُدرك ما لا تُدركه الحواس، مبينًا أن أي عمل يقوم به الإنسان أو سلوك؛ تؤديه النفس وبعدها يقوم العقل بالتوجيه ثم يأتي القرار وهو بيد القلب، منوهاً بأن القلب إمام النفس والذات الإنسانية، وقال: “عندما يكون العقل والنفس متفقين كان القلب بسلام، ولكن إذا اختلفا واتجه نحو النفس أصبح مريضاً”.
وبيّن الفرق بين المرض النفسي والقلبي قائلاً: “المرض القلبي ناتج من بيئة داخلية تلوث قلب الإنسان إذا لم يتدارك نفسه وقام بإصلاح قلبه، بينما المرض النفسي يكون صادرًا من بيئة خارجية أثرت عليه وفي هذه الحالة يجب التعاطف معه والتماس العذر له”، مشيراً إلى أن سوء الظن والحسد والحقد وحب الانتقام أمراض قلبية.
ودعا إلى استثمار شهر رمضان بتنقية القلب وتطبيق إستراتيجية إزالة الشوائب التي في قلوبنا وكل شيء سلبي والعفو والتسامح ليصبح القلب نقيًا ونظيفًا وربط الوعي القيمي بشهر رمضان وبشخصيته من جميع الجوانب، متناولاً سلم الوعي القيمي المكون من 9 محاور ليتفاعل مع شهر رمضان بدافع معين، قائلًا: “الجانب البدائي أكل وشرب أو لأجواء عائلية، والبعض منهم لفرض القوة والأنا، ومنهم من يُقيده بالبيئة الاجتماعية أو يعتبره موسمًا تجاريًا، ومنهم من يمثل له هذا الشهر الفضيل شهر العطاء والسلام والمحبة والشعور الإنساني”.
وفي النهاية، لفت إلى أن أرقى مستوى بالوعي الذاتي قائلًا: “هو الرحمة العالمية، وأسميها مستوى العروج إلى الله سبحانه وتعالى بالعروج الذاتي، حيث تكون ذات الإنسان متوجهة إلى الله ويخلص نفسه لله ويكون موجودًا بيننا في المجتمع ولكنه في عالم مختلف عن العالم الذي نعيش فيه”.