صناعة التفاهة

خلال مرحلة الطفولة والمراهقة كانت صداقاتنا مجملًا تخضع لمعايير قبول فرضها آباؤنا وأمهاتنا علينا، الهدف الأساسي منها هو ضمان اختيار الصديق المناسب الذي لا يؤثر علينا سلبًا، صديق ملتزم بضوابط وقيم أخلاقية متوافقة مع قيمنا وأخلاقنا، لم تقتصر معايير القبول على الأصدقاء بل شملت البرامج التليفزيونية بالرغم من أن القنوات الفضائية في حينها كانت تبث برامجها بتوقيتات مختلفة آخذة بالحسبان الفئة العمرية للمشاهد.

هذا النهج الرقابي لم يعد بإمكانه أن يأخذ دوره كما كان في السابق مع ظهور وتفشي قنوات التواصل الاجتماعي وهو أمر حتمي فالزمن يتغير ولكن تأثيره السلبي وصل لمرحلة جعلتنا نقف ونسأل أنفسنا؛ إلى أين ستصل بنا تفاهات قنوات التواصل الاجتماعي؟ وبالمناسبة حتى لا يأخذ القارئ منحىً مغايرًا لما أهدف إليه، لست شخصيًا ضد قنوات التواصل الاجتماعي فلها مميزاتها ولست مع الرقابة الصارمة على الأبناء في مشاهداتهم لقنوات التواصل الاجتماعي.

صناعة التفاهة خلقت وباءين اثنين إن صح التعبير؛ الوباء الأول تصوير الحياة بأنها حياة ناعمة جميلة مليئة بالمرح والضحك تخلو من التحديات والمشاكل، تسعى لإظهار صورة مغايرة عن الحياة الواقعية، نتاج هذه التفاهة تأثر شريحة كبيرة من الشباب والشابات بهم ومحاولة تقليدهم. الوباء الثاني، هو جذبهم انتباه الفئة الشبابية وجعل طموحاتهم مبنية على حياتهم الورقية التي يصورونها ويجمّلونها مما يؤدي إلى فقر الانتباه لمن يسعون فعلًا لبناء جيل ومجتمع واقتصاد واعد من مؤسسات وأفراد في القطاع التعليمي والاجتماعي وغيره الكثير.

ولك أن تتدبر في بعض الجهود على سبيل المثال لا الحصر؛ ما تنفقه الدولة من أموال واستثمارات في التدريس والتدريب والتطوير وكذلك جهود المؤسسات الأكاديمية وقس عليها الكثير، وفي جانب آخر يسعى المدرسون لبناء جيل واعد، ومن بعدهم الجامعات لتهيئة الجيل الواعد للدخول لسوق العمل، كذلك يسعى الاقتصاديون للتخطيط وبناء ركائز اقتصادية تستوعب توظيف أبناء الوطن، وكذلك مساعي مسؤولي الموارد البشرية وغيرها الكثير، جهود جبارة تكرس لبناء جيل مع الأسف لا ترى صداها بالحجم الذي تستحقه بسبب تفاهات مشاهير قنوات التواصل الاجتماعي.

لا ينبغي النظر لفضاء الإنترنت بأنه ساحة حرة يمارس فيها الجميع حرياتهم بطلاقة، يجب تجريم التفاهة، ينبغي إعادة تأهيل صناع التفاهة وربما ينبغي وضع ضوابط ورسوم مالية لتقنين صناعة التفاهة، ينبغي لنا جميعًا المساهمة في بناء جيل واعٍ يمتاز بحس المسؤولية، يرى الحياة بواقعيتها لا بأعين صناع التفاهة ولا أعني بقولي أننا لا نحظى بجيل واعٍ، فلدينا شباب وشابات ترفع لهم القبعة فخرًا بهم.



error: المحتوي محمي