يحفر بعض الناس في نفسك أشياءً جميلة في خلقهم وتعاملهم وتفانيهم مما يجعلك لا تمل لقاءهم، وما إن يفارقوك حتى تحن وتشتاق لهم، حيث يصعب عليك فراقهم وتحب لقاءهم.
وهذا الفراق يكون أكثر إيلامًا ومرارة عندما تفقدهم من هذه الحياة، وهذا الأمر كان لأحباب وأصدقاء الطبيب الدكتور حسين شعبان، حيث فارقنا بصورة مفاجئة في ليلة امتزج فيها الفرح مع الحزن المطبق، حيث كان الدكتور حسين شعبان في ليلة الاحتفال بتقاعده، وكان سعيداً وفرحاً.
وكان بشخصيته وابتسامته يضفي جمالاً على الحفل البهيج، وفجأة خمدت الأنفاس وتحول الحفل إلى مأتم حزن، نعم لقد اسودت الدنيا في عيون محبيك، حيث فارقتهم من الحياة الفانية إلى الحياة الباقية.
وأتذكر كيف هرع محبوك للمستشفى علهم يجدون بصيص أمل كي تعود لهم، ذهل الجميع حينما أعلن وفاتك فعم الحزن وسالت الدموع ولا غرابة في ذلك.
هذا في جانب، وفي جانب آخر وقت تشييع الجنازة، هرع محبوك من البلاد؛ من القطيف الحبيبة ومن الأحساء والمدن المجاورة للتشييع في جمع غفير بدموع ولوعة فراقك ولا غرابة، حيث إنك أحببت الناس فأحبوك، إنها لحظة الوفاء ويا لها من لحظة، وهنا أترك المجال لبعض محبيك بكلمة تأبين.
ولا يزال الفقيد في ذاكرة محبيه، ويتذكرونه بكلمات عطرة، حيث يقول الدكتور كامل العباد، استشاري الأطفال ومدير مستشفى القطيف المركزي سابقًا: رحم الله الدكتور حسين (أبو علي) وأسكنه فسيح جناته وحشره مع محمد وآله الأطهار، رحم الله أبو علي الإنسان في تعامله وخلقه، كان أبًا لمن هو أصغر منه وأخًا للآخرين.
كان الأخ الذي نلجأ له عندما نحتاج الرأي والمشورة، فكان طبيبًا حاذقًا نستعين به عندما نحتاج إلى المشورة والرأي من أجل المرضى، فكان الأستاذ والمعلم الذي تعلمنا منه ونهلنا من علمه وتوجيهاته ونصحه وإرشاداته، ونلجأ له عندما نحتاج إلى رأيه في شتى الأمور الدنيوية، فكان صديقًا وفيًا ومخلصًا.
بفقده خسرت الأخ والصديق والحبيب، وخسره المرضى والمجتمع بأكمله، فرحمك الله يا أبا علي وجعل الجنة مثواك.
ويقول عنه الدكتور كفاح عبد الرؤوف السنان، استشاري أطفال: لقد كنت ملازمًا لعزيزي وحبيبي الدكتور حسين شعبان سنين طويلة، كانت أيامًا جميلة أتذكرها دائمًا وأحن لها، كيف لا يكون ذلك وأنت صاحب الأخلاق العالية والعلم الكبير والمواقف الرائعة في خدمة مرضاك ومجتمعك.
عشت معه مواقف كثيرة وكان يرفض وبشدة ذكرها إلى أي شخص، ودائمًا كان يقول إن ذكر هذه الأمور فيه الكثير من الإحراج لهم، لذا كان يرجو مني عدم ذكرها للآخرين، حتى أنني كنت بعض الأحيان ألاطفه عندما يأتي إلى المستشفى بثياب العمل، وفي السيارة يكون عنده اللباس الرسمي للذهاب للدوائر الحكومية لمحاولة حل إشكال أو إطلاق سجين معسر من السجن.
رحمك الله يا أبا علي رحمة الأبرار، وأسكنك فسيح جناته.
نعم أبا علي، رحلت عنا في آخر شهر شعبان ولسان الحال مقطع من منجاة أمير المؤمنين في شعبان “إلهي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أيّامَ حَياتي فَلا تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنّي في مَماتي، إلهي كَيْفَ آيَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ لي بَعْدَ مَماتي، وأنْتَ لَمْ تُوَلِّني إلاّ الْجَميلَ في حَياتي”.
رحمك الله أبا علي.