أيَّام زمان كان الزَّواج قبل التَّعارف واللِّقاء، فقلنا عنه هذا زواج “يا صابت يا خابت”، وهو حقًّا فيه عيوبٌ كثيرة. انتقلنا لما هو أجمل بحيث يستكشف الشَّاب والشَّابة بعضهما بنيٍّة صادقة الغرض منها الزَّواج. لكن هذا لم يكفِ والآن استبدلناه بمنظومة الرومانسيَّة والتَّعارف – شّبه المفتوح – التي جرَّبتها مجتمعاتٌ قبلنا ومعظمها خابت، فماذا بعد؟!
يحكى أن غرابًا رأى حمامة، فقال: ما أجملَ مشية هذه الحمامة. لابد أن أمشي مثلها بدلًا من مشية الحجل البائسة التي أمشيها الآن. أمضى الغرابُ زمنًا طويلًا يتعلم مشيةَ الحمامة، لكنه نسيَ مشيته ولم يتقن مشيةَ الحمامة.
أخشى أن انتقالنا من مجتمعٍ محافظ، ليس فيه علاقات وتعارف نحو مجتمعٍ مفتوح بداعي التَّعارف والرومانسيَّة والتَّقدم هو ما دلَّنا الغرابُ إليه، وبالتالي:
ومن يكن الغرابُ له دليلًا
يمر به على جثثِ الكلابِ
من أِّجمل الأمثال التي تعلمتها من أصدقائي الشَّوام في سنواتِ العمل: “اللِّي يجرب المجرَّب عقله مخرَّب”. وهو مثلٌ جميل، ينصح بالاستفادة من تجارب الأفراد والمجتمعات الأخرى دون الحاجة إلى تحمل تبعاتِ الأخطاء التي وقعوا فيها. ومن يجادل أن في تجارب الغرب فائدة عظيمة في العلاقات المفتوحة فله دعوة أن يتعرف على نصيحةِ العقلاء: “الحكمة ضالّة المؤمن، فحيثما وجد أحدكم ضالَّته فليأخذها”.
لكننا للأسف الشَّديد نصر على إعادة واستنساخ ذات التَّجارب التي انتهى منها الآخرون، دون الاستفادة من أخطائهم واستخلاص الدروس والعِبر من تجاربهم. ولم يخطئ العالم ألبرت آينشتاين في قوله: “الغباء هو فعل نفس الشيء عدَّة مرات بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”.
العلاقات المنفتحة دون ضوابط هي صورةٌ وهميَّة للماء الذي يلمع في الصحراء وقت انعكاس الشَّمس فوق رمال الأرض المستوية في الأفق البعيد، فيخيّل للظمآن الباحث عن الماء أنه ماءٌ في الصحراء، فيركض إليه وأنَّى له أن يحصل على الماءِ والسَّراب يبتعد عنه؟ يبقى العطشان يركض، وصورة الماء – السراب – تركض أمامه حتى إذا تعبَ من المسير لم يجد هناكَ أيَّ ماء لكنه ماتَ من العطش!
لنمسح الفهمَ الخاطئ من تسلسل الأحداث: نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ ثمَّ موعدٌ ولقاء. ونبقي الابتسامةَ والموعد واللِّقاء غاليًا لمن يطلب اليد والإذن من البَّاب، وليس لمن يدخل من ثقوبِ الشّباك: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.