وماذا عن الأغذية العضوية والصحية؟

زبادي طازج معمول من حليب البقر الخالي من الهرمونات، لحوم بقرية وأغنام خالية من الأدوية البيطرية والمضادات الحيوية، خضراوات وفواكه خالية من المبيدات الحشرية، أغذية معالجة بدون إضافات كيميائية.

كل ما سبق من أطعمة طازجة أو معبأة، يصطف حاليًا جنبًا إلى جنب في محل أنيق على ناصية أحد الشوارع الرئيسية، فكل ما يبيعه هذا المحل وغيره من المحلات المشابهة، هو من الأرض الخالصة التي لم تقربها شوائب الملوثات، فهي ببساطة لا تبيع سوى الأطعمة طبيعية المنشأ أو ما يعرف بالأطعمة العضوية.

إن ذلك الوصف هو لمحل أو جناح مخصص في مركز تسوق لبيع الأغذية الصحية أصبحت شيئاً مألوفاً في منطقتنا، ربما لن يحتار المتجول داخل جناح الخضار والحبوب في أي مركز تسوق حينما يرى عبارة “منتج عضوي”.

تعودنا أن يطلق الغذاء على ما نأكله في وجباتنا اليومية المعتادة، ومن الطبيعي أن يكون في الأصل طازجاً قبل التعليب لكن مروره بالمراحل المختلفة من المعالجات الاصطناعية ينتج عنه تغيير في التركيبة الغذائية والصحية لهذا الطعام، لذا فإن الحديث عن “الغذاء الصحي” أو “العضوي” أو “الطبيعي” فيه شيء من التداخل لكونها مصطلحات قد تؤدي إلى اللبس عند المستهلك.

توقعت دراسة أجرتها دار الأبحاث “ألين كابيتال” عام 2019 حول قطاع الأغذية في منطقة الخليج، الطلب المتزايد على المنتجات الصحية والعضوية المورّدة من مصادر موثوقة والمعروفة المنشأ، ويعزى ارتفاع الطلب على الأغذية الصحية بشكل ملحوظ، بما في ذلك المنتجات العضوية إلى التغيرات في العادات الاستهلاكية بهدف الحد من المشاكل الصحية.

الأغذية العضوية مقبولة في منطقتنا حيث السعر سيد الموقف، والقبول بالجديد سمة لا تخطئها عين! يقول الخبراء إن ارتفاع السعر هي العقبة الوحيدة التي تقف أمام انتشار الأطعمة العضوية.

ونظراً لازدياد اهتمام المستهلكين بالعادات الغذائية الصحية يومًا بعد يوم؛ أدخلت شركات التصنيع الأغذية في خط منتجاتها، أصناف معالجة خالية من المواد المضافة إلى السوق.

هل تعلم أن السبيل الوحيد والسريع لمصنعي الأغذية لتحقيق أرباح مبيعاتهم يكمن في رضائك عن منتجاتهم من خلال تطبيق ضوابط السلامة الغذائية، وخصوصاً التي تتعلق بالاهتمامات الصحية المدونة على بطاقات الأغذية المعبأة، لا بد للشركات المصنعة أن تتجاوز المجالات التسويقية لضمان حماية المستهلك من الغش والبيانات المضللة.

بعض شركات التصنيع الغذائي تضع ادعاءات صحية وتغذوية كأداة للتسويق أو ترويج سلعة ما، إن الترويج للمنتج الغذائي يمثل عنصر الواجهة التي تتفاعل من خلاله شركات التصنيع مع المجتمع عامة والمستهلكين خاصة، يتم استخدامه لمواجهة منافسة الآخرين وخلق التأثير الأفضل في ذهنية المستهلكين، وجعلهم مراجعين دائمين.

إن استخدام الترويج في الجانب الصحي أصبح له مساوئ وقد يأخذ أبعاداً غذائية وصحية خطيرة.

تسلَّلت إلى البيانات الإيضاحية للمنتج الغذائي بعض العبارات الترويجية مثل “الغذاء الصحي”، “العضوي”، “الطبيعي”، والحقيقة فإن جميع هذه العبارات جرى استخدامها في الكثير من المواد الغذائية، مع إعطائها تفسيرات متعددة ومختلفة في حين أن المراجع العلمية تؤكد ما يلي:

أولاً: إن تعريف مصطلح أغذية عضوية يشير إلى كيفية نمو النبات، بمعنى أن النبات نما بإضافة أسمدة عضوية فقط ودون إضافة أسمدة كيميائية أو التعرض لأي مبيد حشري، والخطوة الأبعد أن تكون الأغذية خالية من الإشعاع ومن التغيرات الوراثية.

ثانياً: إن تعريف مصطلح أغذية طبيعية يشير إلى محتويات الطعام، بمعنى أن الطعام لا يحتوي على أي مواد مضافة.

ثالثاً: لا توجد أي فروق من الناحية الغذائية بين ما يسمى الأغذية العضوية وغير العضوية “حسب تعريف الأغذية العضوية بالفقرة الأولى”.

رابعاً: إن الأغذية المبيعة على أنها أغذية عضوية ثبت احتواء بعضها بالفحص المخبري على بقايا من المبيدات الحشرية بنفس مستوى الأغذية الأخرى “غير العضوية”، وقد يرجع عدم وجود فروق في وجود آثار للمبيدات الحشرية بين المجموعتين من الأغذية للأسباب التالية:
– قد يضيف بعض المزارعين المبيدات الحشرية للنبات ومع ذلك يكتب عليها أغذية عضوية “الغش التجاري”.
– قد توجد بعض آثار من المبيدات الحشرية في التربة حيث تبقى آثارها في التربة لعدة سنوات بعد رشها.
– قد تضاف المبيدات الحشرية بعد مرحلة زراعة النبات وذلك أثناء تجهيز الغذاء أو تخزينه كما هو الحال في استخدام المبيدات لتعقيم التمور من الحشرات، ومع ذلك يكتب عليها أغذية عضوية.

نشرح هنا الالتباس في الفهم لدى بعض الناس حول مصطلح “الغذاء الصحي”، وتصحيح بعض الأفكار المغلوطة.
• الغذاء الصحي هو الذي يشمل كل العناصر الضرورية التي لا تؤثر على صحة الإنسان ولا تؤدي إلى الأمراض، اختيار الغذاء الصحي يجب أن يتواءم والظروف الصحية لكل شخص، فمثلاً من خلال التجربة يتعرف كل إنسان على ما هو صحي له، وقد يكون ذلك غير صحي لإنسان آخر، فشخص مثلاً يعاني من “المرارة” لذلك فإن طهو الطعام بطريقة السلق وعدم وجود نسبة عالية من الدهون والإقلال من البهارات يريح المعدة ولا يؤدي إلى متاعب، لذا فهذا الطعام صحي له وإن لم يرق للأصحاء.

وتعتبر تشريعات الهيئة العامة للغذاء والدواء في وضع قيود على البيانات الإيضاحية هي جزء من جهود كثيرة تهدف إلى ضبط تلك الاصطلاحات لحماية المستهلك من الادعاءات المضللة.

– الادعاء الصحي: أي ادعاء ينص أو يدعي أو يقترح أو يلمح بوجود علاقة بين مجموعة غذائية أو الغذاء أو أحد مكوناته والصحة.

– الادعاء التغذوي: أي بيان أو تصريح أو تلميح أو عرض ينص على أو يقترح أو يدعي أن غذاءً معيناً يحتوي على خصائص تغذوية معينة (SFDA.FD 2333 /2018).

– الأغذية العضوية: منتجات يتم إنتاجها تحت نظام إنتاج يخضع لنظام مراقبة وتفتيش وفق برامج لمنح الشهادات معدة على أســـاس تشريع قانوني واضح ومحدد وتشتمل مراقبة جميع مراحل سلسلة الإنتاج، ويتضمن هذا النظـــام الممارســـات التـــي تضمـــن الحصـــول علـــى منتـــج عالي الجـــودة مـــع المحافظة علـــى الموارد الطبيعيـــة والبيئية وصحة الإنســـان، واحترام القدرة الطبيعية للنباتـــات والحيوانات والطبيعة، وتقليل المدخـــلات الخارجيـــة عـــن طريق الامتنـــاع عن اســـتخدام الأســـمدة والمبيـــدات والأدويـــة الكيماوية المصنّعة، وهرمونات النمو، كما لا يسمح فيه باستخدام السلالات والكائنات المحورة وراثيا، وكذلك الإشـــعاع المؤين والمواد الحافظة ابتداءً من مرحلـــة الإنتاج مروراً بالحصاد والتصنيع والتعبئة والنقل إلى المستهلك والتسويق وصولاً إلى المستهلك، (شروط فسح المنتجات الغذائية العضوية – الهيئة العامة للغذاء والدواء).

نفهم مما سبق أن هناك شريحة من المستهلكين قد اختارت المنتجات المزروعة طبيعياً والتي تباع في محلات تمنع بيع كل منتج تتدخل فيه يد التقنيات ومتشابكات العلوم الحديثة سواء كان مرشوشاً بمبيد حشري أو مسمداً بسماد كيميائي أو معدلاً وراثياً، وأصبح هناك توجه لتلافي استهلاك الأغذية التي مورست عليها التكنولوجيا، وصار المستهلك وهو يشتري متطلباته من مراكز التسوق أو أسواق الخضار والحبوب يحس بشيء من الهاجس والخوف فهو لا يدري حجم المعالجات الاصطناعية التي أُخضع لها ذلك الطعام، ولا كمية المخصبات والمبيدات الحشرية التي استخدمت في إنتاجه، هذا الهاجس والخوف الكامنان تحولا إلى ممارسة عملية للكثير من الناس، حيث لجأ بعض المواطنين أحياناً للأسواق التي تتبنى الأغذية الطبيعية أو العضوية.

ويزيد توجه الناس نحو هذه الأسواق يوماً بعد يوم كما يزيد الاستثمار التجاري في هذا النوع من الأغذية.

من هذا المنطلق أرى أن على أصحاب محلات بيع الأغذية الصحية أن يقدروا قيمة الزبون والحفاظ عليه، ولا يسعوا إلى إعطاء انطباعات قد تسبب أخطاراً لم تكن تخطر على البال.

من اجل ذلك هناك أمور على المستهلك أن يأخذ الحذر منها:
1 – التعامل مع محلات ذات السمعة الجيدة والتي تهتم بجودة وسلامة المنتج.
2- قراءة البيانات الموضحة على المنتج الغذائي، وحاول أن تفهم المصطلحات الغذائية من البائع، واستفسر عن كل ما تفهمه.
3- وجود العبارات التغذوية والصحية تحتاج إلى توثيق بالشهادات الصحية والمخبرية، ويحق لك الاطلاع عليها.

ومن الجانب الآخر، وضعت الجهات التشريعية والرقابية في الهيئة العامة للغذاء والدواء قيوداً تحكم تداول الأغذية الصحية هي:
– يجب وضع العبارات التالية على بطاقة المنتج للمنتجات الغذائية التي تحمل ادعاءات صحية مثل “طبيعي”، و”نقي”، و”طازج”، و”صنع منزلي / محلي”، و”بيولوجي” وهي:
• عبارة عن أهمية اتباع نظام غذائي متوازن ومتنوع ونمط حياة صحي.
• بيان كمية ونمط استهلاك الغذاء المطلوب للحصول على الفائدة المُدعى عنها.
• عند الحاجة، وضع عبارة توضح الاشخاص الذين يجب آن يتجنبوا استهلاك هذا المنتج.

عند الحاجة، وضع تحذير مناسب للأغذية يتم من خلاله إبراز المكون الذي قد يكون له آثار ضارة أو قد يسبب خطر صحي في حال تم استهلاكها بكميات زائدة مع ذكر النسبة التي قد تسبب الضرر، لائحة فنية رقم SFDA.FD 2333 /2018

– عند استخدام مصطلح “عضوي” فإنه يجب الالتزام بالمتطلبات الواردة في الإطار التنظيمي لشـــروط ومتطلبات فســـح المنتجات العضوية للهيئة العامة للغذاء والدواء منها:
– يجب أن تكون إرساليات المنتجات العضوية مصحوبة بالشهادات والوثائق المعتمدة.
– يحـــق للهيئـــة متـــى اســـتدعى الأمر ســـحب عينـــات من إرســـاليات الأغذيـــة المنتجـــة عضويـــاً وإحالتها للفحوصـــات المخبريـــة الروتينيـــة.

سحب عينات وفحصها مخبرياً دورياً يعتبر من أفضل الوسائل، حيث إن المراقبة المخبرية الدورية مهمة للحصول على قاعدة بيانات موثوقة.

وختاماً، نرى الكثير من التجاوزات لدى شركات التصنيع المحلي، حيث يدون على بطاقة المنتج عبارة “طبيعي وخالٍ من المواد المضافة” أو “طازج 100%” وغيرها من الادعاءات المضللة التي ليس لها أي أساس من الصحة.

نؤكد هنا أن تناول الأغذية بصورتها الطبيعية هو الأصح والأسلم لصحة الإنسان.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.



error: المحتوي محمي