إذا أردنا أن نقدم مفهومًا علميًا لمفهوم القراءة، فهي عملية معرفية تستند على تفكيك رموز تسمى حروفًا لتكوين معنى، والوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك، وهي جزء من اللغة التي هي وسيلة للتواصل أو الفهم، وتتكون اللغة من حروف وأرقام ورموز معروفة ومتداولة للتواصل بين الناس، فالقراءة هي وسيلة استقبال معلومات الكاتب أو المرسل للرسالة واستشعار المعنى المطلوب.
كما تعد القراءة هي الوسيلة للتعلم والتواصل مع الثقافات والحضارات، كما توجد قراءة أخرى للمكفوفين تسمى برايل، التي سميت باسم مخترعها الفرنسي لويس برايل، المولود في ٤ يناير ١٨٠٩م، كما خصص تاريخ ٤ يناير اليوم العالمي من كل عام للغة برايل للمكفوفين.
كما أن هناك أنواعًا أخرى للقراءة غير التي تم تعريفها للغة، مثل قراءة النوتات الموسيقية، أو الصور التوضيحية، كما أن هناك لغة مخصصة للحاسوب الآلي، حيث يحمل مصطلحات مختصة به، وله قراءة مختلفة، كقراءة الأقراص الصلبة والمرنة وغيرها، وتنقسم القراءة من ناحية الممارسة إلى نوعين أساسيين هما القراءة الصامتة والقراءة الجهرية، والمختصون اللغويون يفضلون القراءة الجهرية، لأن فيها تمرينًا لتحسين مواقع المخارج لحروف اللغة، وكذلك تطويرًا لأداء النطق وتطوير مهارة الخطابة.
في القرآن الكريم الذي يمثل خطاب الله إلى الناس، أو خطاب السماء إلى الأرض، وجهنا وأمرنا عز شأنه نحو أهمية القراءة، حيث قال: {اقرأ} وليس اسمع، برغم أن مهارة السمع مهمة، إلا أن اللفتة القرآنية جعلت القراءة لها مرتبة أعلى وأسمى وأولى من السمع، لأن القراءة هي ما يقود إلى المعرفة وكشف أسرار الكون.
بعد هذا العرض المبسط عن القراءة وأهميتها ودورها، بقي علينا أن نعرف ماذا تعني القراءة عند الشباب، أو ماذا تمثل القراءة عند هذا الجيل من الشباب؟
تُعد هذه الفترة الزمنية – أي الألفية – طفرة من التحولات العلمية والتقنية، وفي مختلف الجهات والمجالات العلمية، وبالخصوص في المجال البحثي والتقني والتكنولوجي، وأصبحت محركات البحث على الشبكة، وفي كل التخصصات غنية ومتدفقة بالمعلومات ومتوفرة بين أيدي الطالب أو الباحث عن طريق ضغطة زر، تكون غالب مراجع البحوث العلمية التخصصية جاهزة بين أيدي كل طالب معرفة وكل باحث عن الحقيقة، حيث أصبحت مراكز البحث العلمي جاهزة ومستعدة في أي وقت يطرق بابها الباحث فهي ترحب به، وبجميع لغات العالم.
إذن السؤال المهم الذي يفرض نفسه أمام كل هذه التسهيلات العلمية والتقنية، لماذا نجد عند بعض من الشباب العزوف عن القراءة، بل يجد البعض منهم أن القراءة أثقل عليه من حمل جبل، كما يذكر لي بعض منهم، عندما تباحثت معه بهذا الخصوص أين أنت عن القراءة؟ كان هذا هو رده لي.
مشكلة العزوف عن القراءة، لا نجدها فقط عند بعض الطلاب الأقل تفوقًا دراسيًا، بل حتى من هم متفوقون دراسيًا وحاصلون على ميداليات تشريفية وشهادات تقديرية، تقر لهم بتفوقهم الدراسي وحصولهم على أعلى الدرجات العلمية والدراسية، إذن كيف نفهم هذه الازدواجية؟
أظن أن المشكلة تكمن في سبب ضعفنا التوجيهي نحو الثقافة الشاملة إلى أبنائنا منذ بدايات نعومة أظافرهم، وتركيزنا الرئيسي نحو التوجيه للمعرفة الدراسية المستقبلية التخصصية، مما شكل في ذهن أبنائنا فهمًا ناقصًا نحو الثقافة وطلب العلم، لهذا لا نستغرب عندما نكتشف أن طبيبًا أو مهندسًا أو أي حامل تخصص علمي لم يقرأ كتابًا ثقافيًا واحدًا في حياته، غير ما يصب في تخصصه الأكاديمي أو الحوزوي ربما.
وهذا عكس ما نشاهده ونسمعه في العالم الآخر من الكرة الأرضية، أي في العالم الغربي أو الأوروبي، كيف هو اهتمامهم بعنصر القراءة، وفي مختلف التنوعات العلمية والثقافية، عندما تكشف لنا صحيفة ديلي ميل البريطانية أن هناك طفلًا لم يتجاوز الثامنة من عمره اسمه إيليا فيرني استطاع أن ينهي قراءة ٨٤ كتابًا خلال عام، أي بما يعادل قراءة كتاب واحد تقريبًا كل أربعة أيام، حسب ما ذكرته هذه الصحيفة البريطانية.
هذا الطفل لا يمثل معجزة بالنسبة لهم، حيث إنه لو بحثنا عن سر تمكنه من قراءة هذا العدد الضخم وفي هذا السن المبكر لكشف لنا أنه لم يعزم على قراءة هذا الكم من الكتب لولا وجود قناعة راسخة في عقله الباطن، توجهه وترغبه وتحببه في القراءة، وذلك لكشف الكثير من العلوم المختلفة والمتنوعة، حيث لا يستطيع كشفها أو معرفتها إلا من خلال السعي نحو البحث عنها بواسطة القراءة، وهذه القناعة لم تأته من السماء أو من فراغ، بل متولدة من ثقافة البيئة الذي تكون فيها، لهذا ترى هذه الشعوب تقرأ في كل مكان والكتاب لا يفارق جيوبهم، مهما بلغوا من العمر ومهما كان وضعهم الصحي، يظل الكتاب الصديق الوفي عندهم، ولهذا هم متقدمون علينا علميًا وتكنولوجيًا.
وفي ضوء هذا العزوف، ينبغي علينا إعادة صياغة التثقيف لمفهوم القراءة لأبنائنا، وأن نجعل مفهوم القراءة الدراسية الرسمية، بمثابة ومستوى القراءة الثقافية على نفس الدرجة والأهمية، وأنهما سبيل تطوير مستمر، وطريق إنقاذ من الجهل والظلام، بحيث تكون القراءة حاضرة ومفعلة في البيئة التي يتكون فيها أبناؤنا، عن طريق صناعة القدوة لهم، وعن طريق التحفيز والترشيد، وكذلك تهيئة الأرضية الثقافية لهم، عن طريق تأسيس مكتبة متنوعة وحاضنة في المنزل، تجدد وتحدث الكتب فيها بين الفينة والأخرى، مراعين بذلك الرغبة والفئات العمرية للأبناء، والمستوى المعرفي والثقافي عندهم، وبهذه الخطوة قد بدأنا بعمل خطة تأسيسية لتنشئة جيل مثقف وواعٍ بأهمية القراءة وعملنا بالتوصية والأمر الإلهي {اقرأ}.