
إيه يا نادي برشلونة فتاك المدلل كيف تتعامل معه؟ بحب لا متناهٍ، أم بحب مشروط ومقنن، وكيف السبيل لضبط إيقاع الفتى الجامح الطامح لذرى المجد؟
نجم ساطع، موهبة فذة، مايسترو ماهر، رسام باهر، فنان في حومة الميدان، كل ذلك وأكثر، إمكانياته أعلى من كل اللاعبين وأبعد، لاعب بلا حد، إنه منظومة لعب ليس له مثيل.
أيزعجك نزقه المتصاعد حماسة ومشاغبة، وعناد ومكابرة، أمن أحد قادر أن يخفف من غلوائه ويتناسى شطحاته، وكيف السبيل لإخضاعه لبيت الطاعة، أسوة بزملائه اللاعبين، أبمثله يعامل كتلميذ في حجرة مدرسة؟ ويطلب منه أن يقف لرئيس النادي ويوفيه التبجيلا! أم يترك سدى يفعل ما يحلو له؟
إن إشكالية الفتى ليست منحصرة فقط تجاه نهج فرد بعينه أو عدم توافقه مع سياسة إدارة النادي المتجهة نحو مزيد من الحزم والانضباط، بل ممتدة إلى خارج أروقة النادي حيث ضغوط الساسة الكتالونيين ومطالبته بتحقيق الانتصارات لرفع راية الإقليم في كل منازلة، تقابلها معاناته المستمرة مع كل مباراة يخوضها، حيث يواجه صعوبات جمة، تتمثل في صلابة متعمدة من قبل بعض اللاعبين الذين يتربصون له بالمرصاد، يضيقون عليه الخناق بشتى الطرق بكرة أو بدون كرة، ولا يكتفون بمنعه من التقدم باللعب بل يسعون لإيذائه بخشونة زائدة ومن ورائهم حكام متخاذلون.
بين الإبداع ووأده، يعيش الفتى ريعان صباه، يعيش حلبة صراع من كل النواحي داخل الملعب وخارجه.
مارادونا تسري في عروقه دماء الهنود الحمر من جهة أبيه فهو من سلالتهم، السكان الأصليون لموطن بلاده وما جاورها، الموصوفون ببنية جسمانية وشدة بأس، هو حامل جينات غضبهم، وكل الإرث الدموي الذي تعرض له أسلافه على يد المستعمر “كريستوفر كولومبس” الإسباني وجنده الذي ينتصب تمثاله في إحدى ساحات مدينة برشلونة والذي يشير بيديه للانطلاق نحو البحر لغزو الأمريكيتين، فكل موروثات القهر التي تعرض لها أجداده انعكست على نفسيته شططاً وانفعالاً.
وبدأ في الواجهة الاقتصاص فضفضة من غضب ضد رئيس برشلونة (خوسيه نونيز)، وعدم استجابة لأوامر المدرب الألماني (يودو لاتيك)، وما بينهما شراسة لعب من الثيران الإسبانية، لاعبو قساة أرجل وغلاظ قلوب.
ردات فعل الفتى أخذت منحى لإثبات الذات في وجه كل الصعاب، ومواجهة كل التحديات وسخط في وجه أصحاب الياقات الأنيقة، بعدم الإذعان لأي أحد منهم، ولن يسلم أمره على ريشة إوزة بيضاء كما فعل زعيم تلك القبيلة الهندية، الذي تنازل لجنود الغزاة وباع الأرض جراء وثيقة ظالمة وقعها بريشة طائر، وعندها طار كل شيء.
الحفيد يريد الانتقام من التاريخ المأساوي لأسلافه بأي صورة كانت، ولن يقدم كيانه مشاعاً للمحتل الجديد.
هو يريد أن يكون سيد نفسه، يعبر عن مكنونات ذاته، يمارس ما يحلو له دون حسيب ولا رقيب.
انطلاقة وتحرر وعصيان تقود الفتى للتمرد في وجه كل من يقف أمام طريقه، أو ينال منه تصريحاً أو تلميحاً، أو لمزاً وغمزاً.
لا انقياد تحت أوامر مسؤول ولا انصياع لرئيس نادٍ ولا حتى احترام أمام حضرة ملك البلاد.
يريد أن يمارس الكرة بحرية مطلقة كطفل مدلل، ويستعرض مهاراته بفن وإبداع، بعيداً عن التهور وصلافة القساة.
بين سياسة نادٍ حازم وأذية لاعبين، يعيش حالات من التجاذبات، فوضى في التعامل وفوضى خلاقة باللعب.
المفارقة تتلون بتضاد عجائبي، ظن من اشتراه بالمال قد ملكه، وأنه سيكون الخادم المطيع، لا طاعة لرئيس يزدريه ويعامله تحت مفهوم العصا والجزرة، وينظر إليه مجرد صبي يساق حيث يأمر، كعبد مملوك، مجرد من كل المشاعر والأحاسيس، مسلوب الشخصية، يؤمر فيلبي النداء!
ظنون كنستها الريح، قابلهم الفتى الذهبي الند بالند.
يقول في كتابه “أنا دييجو مارادونا”: “بعد المونديال بدأت حقيقتي مع برشلونة بالنسبة لي كان أفضل فريق في العالم، لكني لم أعرف ثقافة الكتالونيين، لم أتخيل وجود شخص مختل مثل رئيس برشلونة آنذاك “خوسيه نونيز” كان يمد رأسه أمامي كي يظهر في الصور، كان يقود حملات ضدي عبر الصحف، بعد الهزائم كان يدخل علينا غرف الملابس ويبكي ويعرض علينا المزيد من الأموال، كان يعتقد أن الفوز والخسارة أمور مرتبطة بالمال فقط”!
بلا شك أيها الفتى، المال ليس كل شيء، ربما يحل مشكلات وقتية لكنه لا يصنع ثقافة لعب متكاملة، كثير من المسؤولين في أكثر من بلد أغدقوا الأموال الطائلة تحفيزاً لمنتخباتهم وأتت النتائج عكسية، ولو كان المال يصنع لعباً متقدماً، لأصبحت أمريكا الأولى عالمياً في لعب كرة القدم، وكما هو معروف بأنها الأقوى اقتصاداً في العالم وتصنف بأنها الأضعف في مجال كرة القدم، وكم دفع مسؤولو الرياضة بخطط طويلة الأجل بدءاً بعراب السياسة الأمريكية “كيسنجر” وغيره من علية القوم الذين لم يألو جهداً لخلق بيئة شعبية حاضنة للعبة، فقاموا باستجلاب لاعبين مشهورين لإبراز وإعلاء مكانة “نادي كزموس الأمريكي “ليتسيد اللعب ليس أمريكا فحسب بل أرادوه على مستوى العالم!
لكن كل الأحلام تبخرت، ومعها رحل حلم صنع منتخب قوي لبلادهم، أي قوة للدولار مقابل عملات كثير من الدول النامية التي لديها لاعبون موهوبون لم لا يصنعهم المال، كم حاول الأمريكان فعل المستحيل وكل محاولاتهم لإبراز أنديتهم والمنتخبات السنية باءت بالفشل، لا زال دوري كرة القدم لديهم أشبه بنكرة في عالم الكرة، لكنهم يعبثون بالكرة الأرضية فساداً، ويتقاذفونها بالحديد والنار!