كان يوم أمس ٢١ آذار / مارس، يومًا للأم، فإذا كانت أمّك لا تزال في قيدِ الأحياء، أنت محظوظ، استمتع بها. رحم الله أمّي ورحمَ كلّ أمَّهاتكم، لا إجازة ولا حقوق ولا تقاعد. كيف والواحدة منهن تربي عشرةَ أطفال، وتحلب الأبقارَ وتعتني بالدّار والزّوج. أمّي كانت واحدة منهن، ثم الآن الجيل الذي بعدهنّ من النساء – زوجاتنا – يربّون جيلًا جديدًا، فلا ترى واحدةً إلا وتحمل بين ذراعيها حفيدًا أو حفيدة، لأن الأمَّهات الشابَّات في أعمالهنّ بدوامٍ كامل.
أظنّ أن سعادة الأمهات ليست في يومٍ واحد من السنة، أو في السَّنة كلها، بل في أن يكون الأبناءُ صلحاء من بعدهن، فإذا رحلن بعد طول العمر، لم ينس الأبناءُ والبنات الأمّهات من البرّ وفعل الخير. “ووالديك فأطعهما وبرّهما حيّين كانا أو ميّتين”، فما قيمة الورد في الحياة إذا ما نسيَ الأحياءُ ورودَ ما بعد الحياة؟ لا يزور أمه أو أباه إلا لمامًا، في بعض الأحايين!
زرتُ المقبرةَ قبل ثلاثة أيام، وأفرحني عددُ الزائرين من الرِّجالِ والنِّساء والصِّبيان والصَّبايا، حتى ظننتُ أن شيئًا ما حدث. كان منظرًا جميلًا، هذا يضع الرياحين، وتلك تتلو القرآن بصوتٍ خافت، وثالث يعبر بين القبور يقرأ ما حفظَ من سورِ القرآن الكريم. حقًّا، هذه تحفة الأمَّهات الأموات. ومن المؤكد إن كانت الأمّ تفرح في قبرها بشيءٍ من الصفاتٍ الجميلة في ولدها؛ الغنى والشّهرة والعلم، فهي بالصَّلاح تفرح أكثر، لأن في الصَّلاح مظنَّة الدُّعاء لها وصلتها بعد الموت.
الورود الحمراء للأحياء من الأمّهات، وللأَموات منهنّ خالص الصّلواتِ والدّعوات بنسائم الرّحمات مثل نسيم الربيع. وأجمل الهدايا لمن عبرن إلى دار الحقيقة تذكرهنّ في أدبارِ الصلوات. بهذا أوصى رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وآله: “سيد الأبرار يوم القيامة رجلّ برَّ والديه بعد موتهما”. ولمن يذكر من الجيل القديم، كم حزِنَّا على التَّرنيمة التي غنّاها لأمِّه دريد لحام، أو غوار الطوشة حينما كانت ألوانُ التلفاز بلونيّ الأبيض والأسود في مسلسل ملح وسكّر:
يا مو يا مو يا ست الحبايب يا مو
يا مو يا مو يا ست الحناين يا مو
تسع شهور وانتي حاملتيني
وبعدا تعبتي كثير تاجبتيني
وعذبتك كثير لتربيني
وضاعت الترباية فيني يا مو
ياما بردتي ياما لتَدفيني
ياما جعتي لتَطعميني
وكام جوز جرابات رقعتيلي
وكل هالشيء ما بين فيني يا مو
شو ما عملت ما بكافيكي
وربي وحده القادر يكافيكي
ارضي علي من قلبك وسامحيني
ربي يطول عمرك ويخليكي
يا مو يا مو يا ست الحبايب يا مو
يا مو يا مو يا ست الحناين يا مو
إنها الحياةُ بطعم السّكر حينما لا تزال الأمّ فيها، وعندما لا تكون فالحياة في طعمِ الماءِ الأجاج، لا يمكن شربه!