سكوتنا عن حقنا طيبة أم تشجيع؟ – سلسلة خواطر متقاعد

أجزم أنك تعجز عن أن تعدّ المرات التي تغاضيتَ فيها عن المطالبة بحقك، رجلٌ لم ينجز ما وعد، ثانٍ أنجزَ ولكن أقلّ من المطلوب، ثالثٌ تأخّر في الوقت، رابعٌ وعدَ ثم أخلف، وفي النتيجة ضاعَ الكثير من جهدكَ ووقتك ومالكَ في متابعة هذا الأداء السيئ. ومع هذا في كلِّ مرّة تردّد “مشِّيها” و”اتركها لله”.

أظنّ أنَّ هذا النوع من السكوتِ المتكرّر عن سوءِ الأداء المتكرّر يضرّ بمن نريد أن ننفع أكثر مما ينفعه، ويضرّ بنا جميعًا. لأن أفضل دعاية للعمل الجيّد هي ما يتناقله الناسُ من الكلماتِ الطيّبة، وأسوأ دعاية ما يتناقلونه من معاملاتٍ ناقصة أو مغشوشة. وبالتالي يخسر صاحبُ العمل إذا ما قصّر. وفي حين كان الغرض مسامحته وإعانته، فإذا بنا نضّره ونُفقره.

لا تَظلم ولا تُظلم، لا ضَرَر ولا ضِرار، وصايا في لغةِ العصر تعني؛ لا تنهب الناسَ حقوقهم ولا تتركهم ينهبونكَ حقّك. وهذا ينطبق على القريبِ والبعيد. خذ حقَّك ولا تأخذ أكثر منه، ولا تكن ضرعًا يحلبهُ الآخرون، بدعوى الطِّيبة والسّكوت.

وعندما يسمع أو يعرف الناس أنك أُضفتَ إلى مجموعة المتقاعدين، فمن المتوقّع الطَّبيعي أن يعتقدوا أنّك لا شغلَ لكَ سوى أن تنتظر، ماذا وراءك ولديك من الوقت ما تحتار ما تفعل به؟ في الحقيقة، لا فارق بين هؤلاء الذين نتعامل معهم وتروعنا وتعجبنا معاملتهم وبين من نكره أن نتعامل معهم مرةً أخرى، إلَّا أنّ الصّنف الأول من النَّاس آمنَ بحسنِ النَّتيجة فأحسنَ في العمل. والصّنف الثاني لم يخش أن يقاطعه الناس ويجتنبون معاملته فواصلَ طريقته السِّيِّئة في العملِ والأداء.

الصّنف الثاني يشبه الفاكهاني الذي تعاملتُ معه مدَّةً طويلة، وبِزعم الطيبة، كنت أسأله كلّ مرة: كيف ترى الفاكهةَ اليوم؟ وكان جوابه على الدوام: أحسن فاكهة في العالم. مع أنها في كثيرٍ من الأيّام كانت غير جيِّدة، وعندما تحتجّ زوجتي على رداءتها، الجواب الحاضر هو: “مشيها”.



error: المحتوي محمي