حق الأخ

سألته عن حال أخيه فأجابني (علمي علمك) فمنذ أكثر من عام لم أره.
تعجبت من إجابته وسألته عن السبب فقال: بسبب خلاف بسيط وتافه (زعل) منا وانتقل مع عائلته إلى شقة خارج البلد وقد تواصلت معه كثيرًا واعتذرت إليه (علمًا أنني لم أكن على خطأ) ولكنه رفض أية مبادرة للصلح… ورفض أية واسطة لإعادة العلاقة بيننا.
وقفت متعجبًا وقلت في نفسي: ألهذه الدرجة نكون متعصبين لفكرنا؟! ألهذه الدرجة نقطع جميع خطوط التواصل بيننا وبين إخواننا؟!

ضرورة التأمل في رسالة الحقوق
من التراث الفكري للإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) الصحيفة السجادية وما تضمنته من مجموعة حقوق، من شأنها أن تحافظ على كيان الإنسان وتهذب شخصيته وتحسن علاقته بالله، كما أنها ترسم خارطة النجاح في العلاقات الاجتماعية، فهي توضح حقوق الإنسان تجاه الإنسان الآخر (الأب، الأم، الزوجة، الولد، الجليس، الجار…) وغيرها من الحقوق.

ومن جميل التأملات في هذه الرسالة ما كتبه صديقنا الأستاذ بدر الشبيب الذي قام بشرح هذه الحقوق في كتابه الجميل الحقوق في رسالة الحقوق، فيقول في المقدمة: “رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين ليست نصًا عابرًا، بل هي وثيقة حقوقية أخلاقية اجتماعية ينبغي أن تُنشر بمختلف لغات العالم، وأن يتعلمها كل من يسعى لرفعة ذاته ومعرفة حقوقه وواجباته تجاه ربه ونفسه والآخرين حوله”.

حق الأخ
وَأَمّا حَقُّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنّهُ يَدُكَ الَّتِي تَبسُطُهَا، وَظَهْرُكَ الَّذِي تَلْتَجِئُ إلَيهِ، وَعِزُّكَ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيهِ، وَقُوَّتُكَ الَّتِي تَصُولُ بهَا، فَلا تَتَّخِذْهُ سِلاحًا عَلَى مَعصيةِ اللَّهِ ولا عُدَّةً لِلظُّلْمِ بحَقِّ اللَّهِ، ولا تَدَعْ نُصْرتَهُ عَلَى نفْسِهِ وَمَعُونتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالْحَوْلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيَاطينهِ وتَأْديَةِ النَّصِيحَةِ إلَيهِ والإقبَالِ عَلَيْهِ فِي اللَّهِ فَإنْ انقَادَ لِرَبهِ وَأَحْسَنَ الإجَابَةَ لَهُ وَإلاّ فَلْيَكُنِ اللهُ آثرَ عِنْدَكَ وَأَكْرَمَ عَلَيْكَ مِنْهُ (في بعض النسخ “وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ”).

في هذا الحق أقف معك عزيزي القارئ في النقاط التالية:
موقعية الأخ: فهو يحتل مكانة عظيمة يعبر عنها الإمام بـ”وَأَمّا حَقُّ أَخِيكَ فَتَعْلَمَ أَنّهُ يَدُكَ الَّتِي تَبسُطُهَا، وَظَهْرُكَ الَّذِي تَلْتَجِئُ إلَيهِ، وَعِزُّكَ الَّذِي تَعْتَمِدُ عَلَيهِ، وَقُوَّتُكَ الَّتِي تَصُولُ بهَا” الأخ المؤمن هو قوة لأخيه يلتجئ إليه في الشدة والرخاء، وهو عز لأخيه وبه يفتخر.
وكما يقول هيوود برون: “في بعض الأحيان يكون الأخ أفضل من القوى الخارقة”.

الأخ سلاح للطاعة: “فَلا تَتَّخِذْهُ سِلاحًا عَلَى مَعصيةِ اللَّهِ ولا عُدَّةً لِلظُّلْمِ بحَقِّ اللَّهِ” الأخ الصالح هو الذي يأخذ بيد أخيه من ظلام المعاصي إلى نور الطاعات، ومن ظلم الآخرين إلى الإحسان إليهم. فهو سلاح إيجابي، يشجع أخيه على فعل الخيرات والطاعات ورفض المعاصي والموبقات.

نصرة الأخ: “ولا تَدَعْ نُصْرتَهُ عَلَى نفْسِهِ” وهي أعظم من نصرته على أشرس عدو، فإن النفس الأمارة بالسوء هي طريق الهلاك، ولذا فإن من حقوق الأخوة أن يقفوا مع أخيهم في مجابهة هذه النفس والانتصار عليها. يقول مارك توين: “الإخوة لا يتركون فردًا منهم يتجول وحده في الظلام”.

حمايته من رفقاء السوء: “وَمَعُونتِهِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالْحَوْلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ شَيَاطينهِ” لا تدع أخاك فريسة للأعداء والشياطين، أصدقاء السوء، فهم يشجعونه على فعل المنكرات، ويفتحون له أبواب الشرور، ومن ثم الوقوع في الرذائل والمهالك وتدمير الحياة الشخصية والاجتماعية.
لذا فمن حق الأخ على أخيه أن يكون معينًا ومحاميًا له من هذه الفئة، وأن يكون خير معين وخير صديق.

النصيحة للأخ: “وتَأْديَةِ النَّصِيحَةِ إلَيهِ” لا تتوقف عن تقديم النصيحة لأخيك، وكما يقول الإمام علي (عليه السلام): امحض أخاك النصيحة، حسنة كانت أو قبيحة (1).
وعلى الأخ أن يقبل نصيحة أخيه، لأنها نابعة من قلبه وحبه وخوفه على أخيه.

التعامل قربة لله: “والإقبَالِ عَلَيْهِ فِي اللَّهِ” ليكن كل عمل تقوم به قربة لله تعالى، وهذا يعني أن تحب أخاك في الله وتقبل عليه بروح وبعطف، مرحبًا به، سعيدًا بوجوده. وكما يقول عنه (صلى الله عليه وآله): ما تحاب اثنان في الله تعالى إلا كان أفضلهما أشدهما حبًا لصاحبه (2). فما بالك عندما تكون محبة الإخوة في الله.

عندما تتأطر العلاقة بين الإخوة بهذه الحقوق فإنها وبلا شك ستكون علاقة قوية، علاقة منتجة يضرب بها المثل.


الهوامش:
ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٢٧٨
ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٥١٤.



error: المحتوي محمي