وكأن الكون يغط في ظلمة ليل حالك والبشر مجرد ذكور وإناث، لم تكن تحكمهم أخلاق أو مبادئ تقيدهم عن أذية بعضهم البعض أو توقفهم عن الكثير من العادات أو التقاليد التي لا توائم البشر، وكان القلة القليلة من يؤدبون أنفسهم عن بعض الأشياء البغيضة مما هو شائع في تلك الأزمان فالحياة تسير بغير ما يرضي الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.
أراد جل وعلا أن يعد ويهيئ ويبعث للبشرية من يستنقذها ويجعلها أمة قادرة على البقاء وبناء الحضارات، أن يكون لها دستور ونظام يحمي البشرية جميعها وأراد أن يكون متفرداً بما سيأتي به من فكر يخاطب به عقل الإنسان ويتقبله أنها أخلاق ومبادئ وقيم من السماء لم يسبق للبشرية معرفتها، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
وعندما حان الوقت لمبعث الإنسان كامل الخلق والأخلاق المنزه والمبرأ من العيوب، إنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هكذا عُرف ووُصف النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في قومه بعلو الأخلاق وأسماها، حتى أذن سبحانه وتعالى في ٢٧ من شهر رجب العام ١٣ قبل البعثة بنبوءته ومبعثه صل الله عليه وآله وسلم، وكان ينقطع في غار حراء متأملاً ومتفكراً ومتدبراً في آثار رحمة الله وبديع آيات خالق هذا الكون اللامتناهي، فهبط عليه جبريل عليه السلام، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.
فبدأت الرسالة التي غيرت مجرى حياة البشرية ورسمت خطوط العدل الإلهي والمساواة بين الناس لمدة ٢٣ سنة كانت تسير بقدرة وحكمة من الله سبحانه وتعالى وصبر وثبات من نبي الرحمة وعلى مواجهة من هو ضد التغير من بني البشر، قال تعالى: {فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى}.
وقد تمايزت هذه البعثة بأعظم حدث وأكبر تكريم وتفاضل للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالإسراء والمعراج، وتعريفاً للمنزلة والمكانة التفضيلية والخصوصية التي خصها الله سبحانه وتعالى لنبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم، حين حمل السراج المنير وعبر الأفق حتى وصل سدرة المنتهى حيث نور السماوات والأرض أن نبينا الأعظم (ص ) مخلوق من نور، وحمل الكتاب الخالد وفسره ليكون نوراً مضيئا للإنسانية كلها، وأن جميع هذا التلاقي جاء ليشع نور الدين الإسلامي ويبقى نوراً وضياؤها محفوظاً ومحصناً بعناية من رب العالمين.
وهكذا غرس نبينا صلى الله عليه وآله وسلم روح العدل السماوي والأخلاق، وهذب المبادئ والقيم وأعاد روح الأخلاق للإنسان، فجعله عزيزاً مكرماً كما أراد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يكرم ويحترم بتوثيق مبدأ المساواة بين الناس وأنهم سواسية وأن مبدأ التفاضل بينهم الأخلاق وليس المال أو العرق.
قال صلى الله عليه وآله وسلم: {إنما بُعثتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ}.
التحيات والصلوات الطيبات المباركات، والسلام على رسول الإنسانية الحقيقية صلى الله عليه وآله وسلم، حين حمل وتحمل راية التحول الفكري للبشر فاستنقذهم من عتمة الجهل والظلام والهلكات إلى طريق الإنسانية الحقيقية والنور والرحمة الإلهية الواسعة.