بسم الله الذي منع وأعطى، والحمد لله مادام الكون وبقى، والصلاة والسلام على حبيبه المصطفى، محمد وآله الأطهار الشـُرفاء.
لو كنت في بلدٍ ما وأعطيت إشارة الخروج، وأحزمت أمتعتـك وتهيأت للرحيل، يحدو بك أمل الوصول إلى غايتك. وتحدد موعد إقلاع الطائرة، وإذا بالنداء فجأة… أن تأخر الإقلاع وأصاب الراحلة عطل!!!
فها قد تحدد موعد إقلاع طائرتي، من موطن الغربة إلى موطن آخر قد تكون فيه راحتي أو شقائي، ورُسمت أيام إقامتي، وأحضر الأحبة جواز سفري لإتمام الإجراءات اللازمة، وطبع المسؤولون ختم التصديق على ذلك، فأنا في نظرهم محدود الإقامة، وفي نظر الرجاء أملاً منشوداً.
وأي أمل؟ أهو أمل البقاء، أم أمل اللقاء؟
أطلقت ابتسامة ساخرة لتلك القوانين والتصريحات، فلم تكن هي المرة الأولى التي يـُطلقون فيها مثل هذه الآمال.
ولكن… ما الذي يؤخر هذا الإقلاع ولأكثر من مرة؟
أهي الصدف؟ أم أن هناك من ينسج ثياب القدر، ويصوغها حيث يشاء؟
أهي الرحمة التي تشملنا من حيث لا نعلم “كتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ”.
أم هي نقمة الشقاء (ليت شعري أللشقاء ولدتني أمي أم للعناء ربتني، فليتها لم تلدني ولم تربّني، وليتني علمت أمن أهل السعادة جعلتني، وبقربك وجوارك خصصتني).
فهل يُخطئ القدر حين تُحلق أجنحة الموت على امرئ، ثم تبتعد عنه مرتفعة لتتركه على تراب الأرض يحيا ويتنعم؟
أم أنها تتخطاه لكونه ممن “إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا”.
ويلي، كلما طال عمري كثرت خطاياي، أأفرحُ لعودتي إلى الأرض بأمل البقاء؟ أم أحزن لفقدي أمل التشرف باللقاء؟ لستُ أدري؟!
لكنني على يقينٍ تام بأن طائرتي ستقلع يوماً ما، بسبب أو بآخر، ولعله غير تلك الأسباب التي تم من أجلها ختم جواز سفري، وستقُلني إلى موطني الذي حملت إليه أشواقي.