هل سرتم في طريقٍ طويل قَفر، لا شيء فيه يبهج سوى علامات المسافات، ثم إذا اقتربت المدينةُ الهدف بانت لكم علاماتُ الحياة والزِّينة وسرَّكم هذا المنظر؟ هكذا نحن في كلِّ الأشهر، حتى نصلَ شهر شعبان مدخلًا لشهر رمضان.
يبدأ الأطفالُ في منطقتنا الصيامَ باكرًا، قبل بلوغهم سنواتِ التكليف الشرعي، وعندما يكبرون إن ترك بعضهم الصّلاة فلا يترك صيامَ شهر رمضان. ومنهم من يصوم أواخر أيَّام شهر شعبان فرحًا واستبشارًا بقرب قدوم شهر رمضان، وتدريبًا لأجسامهم الغضّة لتحمل صيام ساعاتِ النهار أو أغلبها. أما كبار السنّ فالكثير منهم رجالًا ونساءً يصومونَ الشهر كلَّه أو بعضه.
هذا الشهر الجميل – رمضان – يستحق مقدمةً جميلةً مثل شهر شعبان. فهل رأيتَ من يخترع منتجًا جيّد ويضع له مقدمةً سيئة؟ وهل رأيتَ من يكتب موضوعًا قيِّمًا ويفتتحهُ بمقدمةٍ تصد القارئَ وتنفره من القراءة؟ كلَّا، وإن كان هذا من شأنِ البشر، فليس من شأنِ الله المبدع في الجمالِ والخَلق.
شهر شعبان يشبه الفترة التي يستعد فيها الفتى والفتاة لدخول مسابقةٍ جسديّة أو فكريّة، فتراهم يستعدِّون لها بالتدريب المكثَّف. فإن كانت لعبةً جسديَّة تدربوا عليها عدَّة ساعات في اليوم، وإن كان امتحانًا علميًّا درسوا له طوالَ ساعاتِ اللّيلِ والنَّهار. فإذا حلَّ ميعادُ المسابقة هم في أقوى عزيمة وأقل خوفًا من الامتحان.
فهل نعجب إذَا كان شهر شعبان، وهو شهر رسول الله صلّى اللهُ عليه وآله، مقدمةً جميلةً وبابًا يزدلف منه الناسُ إلى شهرِ الله، شهر رمضان؟ بحيث كان النبيّ محمد (ص) قَبِل هذه الهديَّة الربانيّة وتعامل مع شهرِ شعبان كتوأمٍ لشهر رمضان في الصِّيام والقِيام والإِعظام لحين مماته!
خلاصة الفكرة أنه إذا كان البشر يعتنونَ ويهتمّون بالمقدمات والعناوين ويجعلونها مدخلًا جميلًا للأشياءِ والأدواتِ والكلمات والمدن. فلا يتركون مدينةً أو قريةً إلا اعتنوا بمداخلها وزيَّنوها للزائرين، فهذا اللهُ سبحانه اختارَ شهرَ شعبان مقدِّمِةً ومحطَّةً زمانيًة تليق بالشهر المعظَّم، شهر رمضان.
تسرع السنوات وكأن شهر رمضان المنصرم يوم أمسٍ ليس إلّا. ولا يستيقظ الإنسان إلا والسنوات مرّت واحدة، ثم عشر ثم عشرون وإن كان محظوظًا لم يفته واحدٌ من هذه الرمضانات. وهم حقًّا محظوظون هؤلاء الصبية والفتيات الذين يصومون شهرَ رمضان قبل أن يُفرض عليهم، طوبى لهم وحسن مآب، وطوبى لمن أكرمَ شهرَ شعبان.