يُقال دومًا فوات الفرصة غصة، وهناك فرص تمر علينا وندعها تفوت وتمر مرور الكرام، حتى بدون أن نستجدي عودتها لنعطيها حقها ونأخذ حقنا فيها.
قد يتعذر البعض بقلة الوقت أو الانشغال أو عدم وجود مكان مناسب وغيرها من الأعذار التي تجعلنا نفرط بفرصة جاءت متمثلة أمام أعيننا وتركناها تودعنا بخيبة عدم انتهازها.
ونحن بوداع شهر رجب شهر التهيؤ والاستعداد لشهر العبادة الأعظم شهر رمضان المبارك، قد مرت علينا فُرص عديدة فيه للتزود من غيثه والرحمة التي تُصب فيه على العباد صباً كما جاء، لأخذ المدد منها، حيث أجد أنه لا توجد فرص للمدد تشابه الفرص الموجودة بشهر رجب.
نعم قد يقول قائل إن شهر محرم وشهر رمضان مثال لأشهر المدد والغيث نعم وليس لدي اعتراض على هذا الكلام، لكن ماذا إذا حصرنا الشخصيات ومناسباتهم بكلا الشهرين مع شهر رجب سنجد كفة شهر رجب ترجح عليهم بدون إنكار لخصوصية شهر محرم وشهر رمضان وما لهما من قداسة روحية في قلوب المؤمنين.
لنسأل هذا السؤال: كم شخصية في شهر رجب تأتينا كفرصة للتزود منها والانتهال من معينها؟
لنبدأ من بداية الشهر واستهلاله بميلاد مولانا الباقر (ع) الذي يُعلمنا أولى مراتب العبادة وهو العلم، فليست هناك عبادة مقبولة بدون علم ومعرفة، لنأتي بيومه الثاني والثالث لنشهد الولادة والشهادة لمولانا الهادي (ع) لنأخذ راية الهداية كمبتغى نأخذه ليس مرة واحدة بل مرتين لأهمية الهداية في طرق باب الإله الهادي لنا لنسير بطريق الوصول له ويتمثل فينا {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْن}.
ويُكمل أسبوعه الأول بولادة أم البنين (ع) – إن صحت الرواية – لنأخذ الوفاء على درب التضحية، فكل معصوم ضحى لأجل إتمام عبادته وهي المعروف من وفت في أداء عبادتها في تربيتها لأبنائها ليفدوا ابن بنت رسول الله (ع).
ثم يأتي التاسع منه بولادة أخرى يكون صاحبها الرضيع (ع) ليحمل رسالة لكل محروم يطلب بحقه الرزق بالذرية الصالحة، فحتى الحرمان رزق يرزقه الله لمن يشاء ليكون الأقرب لساعة التضرع والدعاء والحاجة لله الرازق الوهاب.
وحين نصل لثلث الشهر والعاشر من أيامه نستلهم الجود من نور ميلاد الجواد(ع)، فنأخذ الجود على العباد الكفيل بإنزال جود الإله علينا.
ويوم الثالث عشر منه وولادة مولى الموحدين أمير المؤمنين (ع) وهل تصح العبادات دون توحيد يؤخذ من توحيده وعبادة كعبادته؟
ولا تسل عن النصف منه، وفيه يجتمع معنى الصدق بشهادة مولانا الصادق (ع)، والصبر الزينبي بشهادة مولاتنا زينب (ع)، فالصدق أمر لازم بالتعبد والصبر كذلك، وليس هناك صبر على البلاء يلهمنا تحمل هذا البلاء بأعظم من صبر العقيلة زينب (ع) والبلايا التي تحملتها.
وفي الحادي والعشرين منه وولادة السيدة سكينة (ع) لنأخذ منها الطمأنينة والسكينة بالعبادة، فهي المتفرغة للعبادة والاستغراق حيث يدلنا قول أبيها الإمام الحسين على مدى تعلقها بالله في قوله: وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله.
ونأتي لشهادة حليف السجدة الطويلة موسى ابن جعفر (ع ) بالخامس والعشرين منه ليعلمنا أن الاختلاء بحضرة الإله وواحة قداسته أمنية قد تتحقق بقعر السجون والطوامير فتكون نعمة يعلمنا إمامنا أصولها وكيف يطول السجود لشكرها وكيف يتخرج من جاء يلهو ويغويه عن عبادته وسجوده ليتخرج لاحقًا بوسام العدوى العابدة من عبادة موسى ابن جعفر (ع).
أما السابع والعشرون منه، فمبعث حبيب الله ورسوله محمد (ص) الذي بُعث ليحمل رسالة الإسلام بذاته الرحيمة ليكسو الدين شرف الرحمة من رحمته وأخلاقه الكريمة التي لا تستقيم عبادة للخالق بدون معاملة حسنة لمخلوقيه، فالدين معاملة.
وشعور مناسبة المبعث الشريف كشعور المكلف الذي للتو تكلف بإسلامه لتأتيه مناسبة اليوم الثامن والعشرين وخروج ضعينة الحسين (ع) بخوفها من المدينة لتشق درب الجهاد الأعظم والذي حوى كل أنواع الجهاد بطريقه، ليهدينا هدية الخوف الذي يكون وسيلة وصول، فالخوف سُلم عروج حين يكون دافعاً للتحرك لا التراخي والرجوع، فالخوف مطية الخاشعين الخاضعين والباكين لأجله ولخوف عدم اللحاق بسير قافلته.
فرصة شهر رجب الأصب وكل الأنوار التي به مضت وأترك عددها عليكم، لكن اليوم جاءت إلينا فرصة أخرى بشهر شعبان وتعلمون انتسابه لعظمة رسول الرحمة محمد (ص) وما به من أنوار حسينية فهل سندعها تمضي دون تأمل بجمال رحمة صاحبها وعروج بنوره وأداء شكر وجوده بالعمل لتصل أرواحنا شهر الله بسلام تام وزاد يكفيها لخير صيام؟