“عزيزي القارئ.. لا تقترض أو لا تقرض أحدًا إلا بعد الكتابة والتوثيق، وبعد ثبوت الحاجة للاقتراض والعلم بالقدرة على الوفاء”.
إن الدّين (السلف/الاقتراض) كما لا يخفى عليكم من أهم التعاملات البشرية التي تقوم عليها المجتمعات منذ القدم ويتآزر فيها الأفراد فيما بينهم ليسيطروا على ميزانيتهم ونفقاتهم المالية وقت الحاجة ويردونها وقت الاستطاعة.
فحتى الدول وهي ذات ميزانيات ضخمة أعلى من الأفراد تحتاج أحيانًا إلى الاقتراض لتواجه أزمة معينة أصابتها، وبالطبع الأفراد هم كذلك بحاجة في وقت ما إلى اللجوء إلى الاقتراض سواء لأزمة أو تجارة.
ومنذ بدايات ديننا الحنيف حرصت الشريعة الغراء على تكاتف المؤمنين فيما بينهم في جميع مجالات الحياة، ومن ذلك الاحتياجات المالية فقد شرع الله للناس التداين ووضع أحكامه في أطول آية من آيات القرآن في سورة البقرة.
والاستدانة لا تكون سليمة من حيث فضل واستحباب قيامها إلا بشرطين؛ أولهما حاجة فعلية للاقتراض والثاني غلبة الظن بالقدرة على وفاء المدين، ومخالفة هذين الشرطين قد تدخل الاستدانة في بوابة المحظور على طرفي القرض.
كذلك فإن الشريعة وجهت الأفراد إلى أمور ينبغي عدم إغفالها وقت التداين، أهمها الكتابة والتوثيق وبلا شك أن هذا الأمر ضروري جدًا لكي تكون عند الدائن حجة ودليل قاطع يتمسك بها أمام القضاء فالكتابة هي من أهم وسائل الإثبات المعمول بها ولا يمكن رد ونفي الكتابة إلا بالكتابة.
ولم تقتصر الحكمة من الكتابة على الدائن والمدين فقط بل تشمل المجتمع كاملًا ليأمن فيه الدائن ولا يخشى من ضياع حقه. فلو امتنع الناس عن كتابة مدايناتهم وتحرجوا منها لضاعت حقوقهم، ولو ضاعت الحقوق بين الأفراد فلن يتجرأ أحد على مداينة أي شخص آخر حتى لو كان قريبًا خوفًا من عدم الوفاء وضياع الحق وهذا يؤدي إلى الأنانية والتفكك الاجتماعي.
كذلك فقد حرصت الشريعة على إلزام المدين بوفاء دينه عند حلول الأجل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عنه «من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله».
وفي حديث آخر؛ «أيّما رجل تداين دينًا وهو مجمع ألا يوفيه إياه لقي الله سارقًا» وهذا دليل على عدم مشروعية التداين إن غلب الظن على المدين بعدم القدرة على الوفاء.
وبالطبع لا يخفى على دائن قدرة مدينه على الوفاء وظنه بذلك، فقبل أن يقوم بإقراضه سيكون عالمًا أو ظانًا بنسبة كبيرة أنه قادر على وفائه بهذا القرض، وحتى لو لم يوف المدين في الوقت المحدد لظرف ما فإن الشريعة ضاعفت الأجر للدائن نظير صبره على مدينه الذي يحاول فعلًا أداء الحق الذي عليه.
لذلك أكرر عزيزي القارئ.. لا تقترض أو لا تقرض إلا بعد الكتابة والتوثيق، وبعد ثبوت الحاجة للاقتراض والعلم بالقدرة على الوفاء.
القانوني محمد السعود