يعد الحرمان نوعًا من أنواع المآسي التي تمر على الإنسان، ويعتبر واحدًا من المحطات التي قد تواجه في حياته، والحرمان بمفهومه العام، هو حالة ذهنية لا يستطيع فيها الشخص تلبية احتياجاته الأساسية، وينشأ هذا أيضًا عندما يحرم الشخص من أي مزايا اعتاد عليها.
والحرمان قد يكون واقع بلاء من الخالق على عباده، وهذا النوع من البلاء، يشمل كل عباده المصطفين منهم كالأنبياء والأولياء، أو أن يكون من عامة الناس.
وقد ذكر لنا القرآن الكريم كيف وقع مثل هذا الحرمان على بعض من أنبيائه مدة من الزمن، كنبي الله زكريا (ع)، حيث حرمه الله من الذرية حتى امتد به العمر وأصبح كهلًا هو وزوجه، وكذلك عندما وقع الحرمان على سيدنا داود (ع) في بدنه، حتى بدأ جسمه الشريف بإتلاف بعض من أجزاء جسده الطاهر من شدة المرض، وكما أصيب سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بمرض مرد العين في القصة المشهورة في يوم خيبر، وما صنعه رسول الإسلام (ص) معه لأجل إتمام شفائه من هذا المرض، وعدم حرمانه من المشاركة في يوم خيبر، الذي بفضل الله ورسوله تحقق فيه النصر على يديه المباركة.
إذن الحرمان ليس متوقفًا على فئة دون أخرى من الناس، بل هو يشمل كل عباد الله، وهناك حرمان آخر، يقع على بعض من أساء إلى ما كان بين يديه من النعم الإلهية، فطغى وتكبر، وهذا النموذج كان له لون تأديبي مختلف من الله، ولقد قرأنا وشاهدنا الكثير من هذه النماذج، سواء كان من التاريخ أو الحاضر، ولقد رأينا كيف أن بعضًا من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم من سعة في الرزق، كيف كانوا سيئين في إدارة هذه النعم الإلهية، والقرآن الكريم قد حدثنا عن قصة قارون وما كان يملكه، وكيف كان يعبث في هذه النعم، وما حدث له بعد استهتاره بنعم الله.
وما نشهده في الحاضر من بعض المتبخترين بنعم الله لهو الكثير، كم سمعنا وشاهدنا من فقد العديد من شباب في عمر الزهور، بسبب طيش السرعة أثناء قيادتهم مركباتهم الفاخرة، أو أي وسيلة أخرى، ومن مثل هذه القصص ما يدمى لها القلب، أو عندما يهب الله لبعض من الناس الصحة والمال، والسلطة كيف تراه يوظفهم في جانب المحرمات، كالمخدرات والتحرشات، دون مراعاة أي حرمة، وما شابه ذلك من الأفعال المخجلة أخلاقيًا ودينيًا واجتماعيًا، أو الافتراء على خلق الله، بغير وجه حق، ويصبح نتيجة هذا العبث وهذا الاستهتار الضياع والتهلكة، والحرمان الأبدي من كل النعم، فضلًا عن سخط الله لهم.
لأن التعرض لنموذج حرمان الله، المربوط بعنصر البلاء، لبعض من عباده من بعض نعمه، كالذرية أو الغناء أو جزء من الصحة أو من بعض الكمال الخلقي للإنسان، سواء كان حرمانًا أبديًا أو توقيتيًا، لا شيء يضيع عند الله، وكل شيء في ودائعه محفوظ، بعد الصبر والحمد والشكر له سبحانه، من قبل العبد على البلاء في الشدة والرخاء، بسبب ما حرم منه، الله يعوضه في جانب آخر، وقد يكون أفضل مما حرم منه.
بل أريد أن أركز على الحرمان الذي كان على نموذج قارون، وهو من قوم سيدنا موسى (ع)، والقرآن الكريم يروي لنا قصته عندما بغى على قومه بعد أن آتاه الله الثراء والتمكين، فكان من أسباب حرمانه من هذه النعمة العظيمة ناتجًا من بعض سلوكه السيئ، عند تبختره وتكبره واستحقاره وظلمه على العباد، فكان جزاؤه أن خسف الله به الأرض، وهلكه هو وثروته كلها. هذا النموذج السيئ ما زال يتكرر في كل زمان ومكان، دون الالتفات لهذه التجربة القارونية التاريخية، التي وثّقها لنا أصدق الصادقين ربنا في كتابه الحكيم، وذلك للعبرة، حيث صورها لنا كيف كان وكيف أصبح، وهذا الصنف من الحرمان، يطلق عليه أنه درس من الله سبحانه وتعالى، يلقنه قارون ومن هو على شاكلة قارون.
وأريد هنا أن أوضّح مفهومًا قرانيًا مغلوطًا يعتقدونه هؤلاء المتبخترون، ويقدمونه كحجة أو استدلال ديني على طريقة ما يصنعون أمام الآخرين من تصرفات قارونية، حتى إنه يفقدهم بعض الأحيان الشعور بالإحساس نحو المحرومين من هذا الثراء الذي بين أيديهم.
عندما تقدم نقدًا معينًا لبعض هؤلاء وتذكرهم بالنموذج القاروني، مباشرة تكون الآية الكريمة حاضرة بين أيديهم، وهي من سورة الضحى آية ١١ حين قال ربنا عز شأنه: {وَأمَّا بِنِعْمَةِ ربِّك فَحَدِّث}.
علمًا بأن الآية الكريمة لا تدل ولا تدعو من يعيشون في رغد أن يتكبروا أو يتبختروا أو يظلموا عباده، وكأنما لهم أفضلية على خلق الله، وحاشى ربنا ذلك، وإنما يدعونا ربنا سبحانه من منطلق مفهوم هذه الآية الكريمة أن نشكره بالقول، كما نشكره بالفعل، أي نترجم شكرنا له تلفظًا بالحمد والشكر وبالعمل سلوكًا، في تواضعنا وحسن المعاملة ومساعدة المحتاجين والفقراء من عباده، والمساهمة في بناء المشاريع الخيرية والاجتماعية والإنسانية وغير الإنسانية كذلك، كالرفق بالحيوانات، والمحافظة على البيئة والطبيعية، وهذا ما يطلق عليه في المصطلح الحديث بالعمل التطوعي الاجتماعي، وبهذا قد قدمنا مفهومًا حقيقيًا عن كيفية التحدث عن النعمة، وكذلك أظهرنا فضل الله سبحانه علينا، الذي وهبه لنا، وبتطبيق هذا المفهوم وفق الآية الكريمة قد يتحقق قول ربنا لنا، وهو أصدق الصادقين حين قال: {لَئِنْ شَكَرْتُم لأَزِيْدَنَّكُم} [سورة إبراهيم آية ٧]، فقانون زيادة النعمة وحفظها من قبل الله، هو البدل والإحسان.
زبدة القول؛ كُل ما تشاء والبس ما تشاء، واقتنِ ما تشاء، وتملك ما تشاء، ولكن كن زاهدًا، أي أنك أنت من تملك المال، لا المال من يملكك، حتى تكون أكثر إنسانية وأكثر جودًا.