نشرت إحدى الطبيبات المتخرجات حديثا، تغريدة، هي في حقيقتها رسالة عتب أو لعلها توبيخ إلى أُستاذ الأحياء الذي سبق لها التتلمذ على يديه، قائلة «إلى مدرس الأحياء اللي سخر مني وقال ابقي قابليني لو نفعتي، أقدم لك تحياتي بعدما تخرجت من الطب، وبقولك شوف عاوز نتقابل فين»
هذه التغريدة كان لها نصيب جيد من التفاعل من الجمهور، السبب هو أن كثيرين هم من يحتفظون بذكريات للسادية النفسية التي مارسها عليهم نسبة من المدرسين، تلك السادية التي جعلت بعض الطلاب يجدون أن بيت شوقي القائل «قم للمعلم وفه التبجيلا» لا ينطبق على كل معلم.
الحقيقة أن الكلمة المثبطة كالسيف، قادرة على قطع همة الإنسان في التقدم في المضمار الذي يجد أنه قادر على السير فيه، أو لا أقل من منحه الكثير من أسباب التراجع إلى الخلف، ومثلما تنجح نسبة من الناس في تجاوز إثرها، فإن كثيرين قد يصيبهم من الإحباط ما يجعلهم يتوقفون تماما عن المسير، يحيلنا هذا الحديث قسرا إلى ضرورة النهوض بكفاءات المدرسين من خلال تأهيلهم إلى حيث يدركون أن الطالب ليس آلة صماء، مجردة من المشاعر والأحاسيس، هو إنسان له أذن واعية وملتفتة جدا لكل صوت مُعِيب، بل ولكل صمت يحمل بين طياته الإهانة المبطنة، وحالما لا يتم تأهيل المدرس بحيث يدرك هذا المعنى، فإن ألف أنشتاين ونيوتن وألف شوقي وجواهري، ربما قد وأد موهبتهم في التراب، حينما قال لهم «ابقوا قابلوني لو نفعتوا»
لا أتصور أن هناك من الطلاب من هو فاشل بذاته، الظروف في أكثر الأحيان هي التي تمنح صاحبها النجاح أو الفشل، وحينما يفتخر مدرس بأن طالبا متفوقا في فصله قد صنعه بأدائه العالي وهو ابن مهندس وابن طبيبة قد منحوه كامل العناية، فليعلم غالبا أنه الذي قطف ثمرة جهود الوالدين بتفوق ابنهم، إذن فالإنجاز الحقيقي هو في الارتقاء بالطلاب المتواضعين في المستوى نسبيا لدرجات أعلى، الذين لم تتوفر لهم تلك الظروف الأُسرية التي تصنع منهم متفوقين من خلال السعي في معالجة مشاكلهم وتلمس احتياجاتهم، وحينما يكتفي المدرس عوضا عن ذلك بجملة «قابلني لو فلحت» فسنجد ربما الكثير من المشردين الذين ساهم هذا المدرس في صناعتهم وبإتقان في المجتمع.
المصدر: آراء سعودية