
كثير منّا قد يلاحظ تكرار مقولة بعض الباحثين أو المشتغلين في الدراسات الإنسانية، عند رغبتهم في تعريف أحد المفاهيم الأساسية في دراسة معيّنة، بأنهم يواجهون صعوبة لافتة في الوصول إلى تعريف وحيد، جامع ومانع، للمفهوم ذاته.
وهذا هو ديدنهم حين ينشدون تأسيس تعريف لمفهوم شهير كالشائعة، فالمفهوم يتداخل مع معانٍ عديدة وكلّما تمّ تدوير زواياه، تزداد احتمالية ظهور حدود جديدة للتعريف، ولذلك يكثر أن تأتي النتيجة بتعدد تعاريف مفهوم الشائعة، تبعًا للعناصر التي اعتمدها كلّ عالم أو باحث.
فمثلًا تُعَرّفُ الشائعة لدى «ألبورت وبوستمان» في كتابهما: «سيكولوجية الشائعة» بأنّها «اصطلاح يطلق على رأي موضوعي معيّن ومطروح، كي يؤمن به من يسمعه، وهي تنتقل عادة من شخص إلى شخص، عن طريق الكلمة الشفهية، دون أن يتطلب ذلك أي مستوى من البرهان أو الدليل».
بعض الدراسات تصنّف الشائعة إلى أنواع ومنها: الشائعة الزاحفة؛ وهي التي يتمّ ترويجها ببطء، وقد يتناقلها الوسط الاجتماعي همسًا، إلى أن تغدو هذه القصص الزائفة معرقلات اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية في المجتمعات التي تستهدفها الشائعة.
أمّا الشائعات الغائصة، فهي التي تروج في بداية معينة، ثم تغوص تحت السطح لفترة، ما تلبث أن تعاود الظهور والنشاط مرة أخرى، وقد تتنوع قوالب تناقلها بين الجدّية والهزل، بهدف تزويدها بعوامل مساعدة محفّزة، وهناك تصنيفات أخرى لأنواع إضافية من الشائعات، وجميعها تلتقي في رسائلها السلبية ومساعيها الهادمة.
وفي زمن الجائحة الحالية، تتنوع صور الشائعة بحماسة متوقعة من مروجيها، شفهيًا وبصريًا وحرفيًا، ومن نماذج ذلك، قبل إيداع الرواتب في الأسبوع الماضي، راجت شائعة إيداع الرواتب عبر نظام الحوالات الفورية عبر «نظام سريع» لكنّ بيان «نظام سريع» بعدم صحة الخبر، وضعها في فئة الشائعة.
أمّا الشائعة الأكثر تكرارًا، فهي المتعلقة بأمور سلبية عن تعاطي اللقاح، وهذه الشائعة قد يجوز تصنيفها ضمن الشائعات الغائصة، لأنها تختفي أيامًا وتعاود الظهور مرّة أخرى، بالرغم من تأكيدات الجهات الصحية والجهات الرسمية في ذلك، لكنّ الملاحظ أنّ هناك تفاعلًا إيجابيًا واسعًا في التسجيل عبر التطبيقات الخاصة بتلقي جرعات اللقاح، بل إن كثيرًا ممّن كان مرتبكًا بسبب شائعات من هذا النوع، بادر بالالتحاق بقوائم المنتظرين لأخذ اللقاح الذي يوصل إلى مرحلة توفير المناعة المجتمعية ضدّ الوباء، قريبًا إن شاء الله.
وخلال الأسبوع الماضي، راجت أخبار الانتقال إلى نظام العام الدراسي ذي الثلاثة فصول، وانتشرت صور حول ذلك، تبين فيما بعد أن المحتوى ليس سوى مقترح لم يتم اعتماده ولا التوصية به حتى هذه اللحظة.
وهكذا تستمر دائرة فعل الشائعة وتنتظر ردّات الفعل الناتجة وراء أخبار غير صحيحة أو غير دقيقة لتكون بِنْياتِ تضليل، يجتمع في تكوينها محتوى الأهمية ومحتوى الغموض، كما تنص معادلة «ألبورت وبوستمان» الجبرية، حيث تتبين علاقة شدة الشائعة من جهة بحاصل ضرب الأهمية والغموض من جهة أخرى، فمثلًا لا يهتم مجتمع «أ» بنشر شائعة عن مجتمع «ب» ما دام ليس هناك رابطة بينهما في ذات الشائعة، وإن كان هناك غموض، فالغموض وحده لا يكفي لتكوين بنية فاعلة للشائعة، كما لا تنفع الأهمية حين يكون الغموض معدومًا، والعلاقة الرياضية عند «ألبورت وبوستمان» تبيّن أنّ شدة الشائعة = أهميتها × غموضها.
إنّ معرفة عناصر بنية الشائعة، تكون الفرصة أسرع في التصدّي لأي شائعات هادمة في كل مكان أو زمان، ولاسيما في زمن الجائحة مهما اتّسعت الجغرافيا.
المصدر: آراء سعودية.