المتشائمون والميزانية

كثيرة هي تلك التحليلات التي تناولت ميزانية المملكة 2017، المتشائمون تناولوا باهتمام موضوع فرض ضرائب على الموظفين الأجانب وأوضحوا أنَّ ذلك سيقود إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية في الشركات وهذا سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار المنتجات النهائية التي سيتحملها المستهلك، الارتفاع برأيهم هو نتيجة حتمية لوجود ما يقارب اثني عشر مليون أجنبي -(11.660.998) حسب إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء السعودية في 2016 الذين يشكلون قوام الاقتصاد السعودي وفي حال وجد هؤلاء وشركاتهم أنَّ الضرائب ستؤدي بهم لخسائر حتمية لا يستطيعون تحملها – وهذا ما يفترضه المتشائمون- فإنَّ هؤلاء الأجانب سيغادرون البلد وكذا ستقوم نسبة من الشركات بإغلاق أبوابها وهذا ما سيتسبب في عواقب وخيمة على اقتصاد المملكة وعلى اضطراد مستويات البطالة يوماً بعد آخر، وقبل الدخول في تفاصيل هذا التحليل ومنطقيته ينبغي الإشارة أولاً إلى قيم الضرائب التي أُعلن عنها في وثيقة برنامج تحقيق التوازن المالي الخاصة برؤية المملكة 2030 في الصفحة 53.

تنقسم الضريبة بحسب ما ورد في الوثيقة إلى قسمين، الأول يتعلق بالمرافقين للموظف غير السعودي ويبلغ 100 ريال شهريّاً لكل فرد، يبدأ تطبيق الضريبة من شهر يوليو 2017، ويرتفع سنوياً بمقدار 100 ريال إلى أن تصل كحد أقصى إلى 400 ريال في العام 2020، وهذه الضريبة يتحملها الموظف غير السعودي وليس الشركة التي يعمل فيها، أما ما تتحمله الشركات فهي 400 ريال شهريّاً لكل أجنبي يبدأ تطبيقها من العام 2018 وتزداد إلى 600 ريال في 2019 وإلى 800 ريال في العام 2020، وتنخفض هذه المبالغ 100 ريال إذا كانت نسبة السعودة هي 50% أو أكثر، هذه الضرائب هي بلا شك ضرائب مؤثرة على الشركات لا سيما تلك التي تتكون من نسبة سعودة متدنية، غير أنَّ المتشائمين أسسوا لحديثهم بقاعدة ليست دقيقة -حسب رأيي- وهي أنَّ وجود الأجانب وبالأعداد الحالية هو وجود منطقي، بل ولا بد منه، وبالنتيجة فإنَّ صناعة أسباب تؤدي إلى تقليل هؤلاء سيقود اقتصاد المملكة لعواقب وخيمة، هذا التصور هو تصور غير دقيق وهو كما أراه العثرة التي سقط فيها هؤلاء المحللون.

في اعتقادي أنَّ وزارة العمل حينما لم تمنع توظيف الأجانب وتجديد عقودهم مع وجود مواطنين طالبي عمل وتنطبق عليهم الشروط منحت الشركات الضوء الأخضر -ولو من غير قصد- لمضاعفة الأجانب حتى وصل عددهم إلى اثني عشر مليون أجنبي، ولو تم هذا المنع لاستطعنا زيادة نسب التوطين إلى مستويات جيدة، هذه القاعدة ليست ابتكاراً جديداً، الولايات المتحدة الأمريكية تشترط لتوظيف الأجنبي عدم وجود أمريكي طالب للعمل، إذاً لماذا لا نستنسخ هذه القاعدة البديهية لدينا؟! في اعتقادي أنَّ قِوام الاقتصاد السعودي أصبح بيد الأجانب لأنَّ المشكلة الأساسية كانت في سياسة التوطين وفي الآليات المتبعة لتوفير الكفاءات المهنية والحرفية، لو عولج هذا الملف لانخفضت نسب الأجانب إلى مستويات منطقية ولأصبح أثر الضرائب المزمع تطبيقها من العام 2018 أقل ضرراً على الشركات، فالضرائب تزداد كلما زاد عدد الأجانب وهذا العدد هو ما أدعي أنَّه غير منطقي ولا يوجد ما يبرره.

 

الشرق


error: المحتوي محمي