عندما نناقش موضوع العمل في غير مجال التخصص، يتبادر إلى أذهاننا خصوصاً حديثي التخرج والذين لم تتح لهم فرصة العمل في مجال تخصصهم الأكاديمي، فهم بين المطرقة والسندان! فإما القبول بالعمل في غير مجال تخصصهم أو المكوث في البيت (البطالة)! بعد الجهد الكبير الذي قاموا به طوال سنوات دراستهم وحياتهم الجامعية لتكوين ذواتهم وبناء شخصياتهم قبل أن يتوجوا كل ذلك بشهادتهم الجامعية ذات الأبعاد المختلفة لتحقيق طموحهم ورغباتهم، والتي تبلورت عبر سنوات التخصص الذي قاموا بدراسته.
لم تساعدهم الظروف للحصول على الوظيفة التي تتناسب ولو جزئياً مع طبيعة تخصصهم، فماذا ينبغي عليهم فعله؟
في اعتقادي ومن خلال خبرة شخصية في المجال الهندسي والإداري، أن الدراسة الجامعية هي بداية ومدخل لبدء الحياة المهنية ولكن لا ينبغي التوقف عندها، وأن الأشخاص المؤهلين والواثقين من قدراتهم وطاقاتهم الكامنة باستطاعتهم أن ينطلقوا ويعملوا في المجالات ذات العلاقة بمجال تخصصهم من خلال تعزيز دراساتهم الجامعية بالشهادات المهنية ذات التصنيف العالمي في مجال تخصصهم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فكل منا داخله طاقات كامنة أو غير منشطة، فلعل التحديات في العمل في غير مجال التخصص أو ما هو مقارب له يفجر تلك الطاقات الإبداعية بإضافة مجال ونشاط جديد واكتساب خبرة ومهارة جديدة إذا تم اغتنام الفرصة بالشكل الصحيح.
هذه الرؤية حتماً ستمنحنا حوافز ودوافع للعمل بطاقة ونشاط مؤثرين، وسينعكس ذلك على البعد المهني بشكل منتظم وسيدفعنا نحو المزيد من اكتساب المعرفة بمواصلة التعلم وحضور ورش العمل والدورات المهنية المتعلقة بالعمل الجديد، ومنها يمكن أن نستدرك حياتنا المهنية بتغيير التخصص ونحن على رأس هذا العمل.
ولدينا أمثلة كثيرة خلقت من أناس عباقرة ونجوماً في عالمهم الذي أبدعوا فيه من الراحلين والمعاصرين، ومنهم مثلاً الشاعر المصري إبراهيم ناجي، حيث كان طبيباً وعمل فترة في مجال تخصصه، وبعدها اتجه للأدب ووجد ضالته وأصبح أحد أعمدة الأدب العربي لإضافاته القيمة والإبداعية في عالم الأدب والشعر.
وأخيراً، فالعمل في مجال تخصصنا أو في غيره لا ينبغي أن يكون عقبة في طريق مستقبلنا “فكل ميسر لما خلق له”، فينبغي علينا أن نكون على قدر عالٍ من الثقة بأنفسنا وبإمكانياتنا وقدراتنا لتنعكس إيجاباً على إتقان العمل الذي نقوم به فنبدع فيه ونطوره، وهذا جزء مما يعرف بإعادة التأهيل الوظيفي للعمل في غير مجال التخصص.