المتقاعدون وجنى العمر – سلسلة خواطر متقاعد

المتقاعدون هم فئة من الناس عملوا مثل النمل في صيفِ الحياة، حبّة بعد حبّة وكِسرة بعد كِسرة، رجاء أن يأكلوا ما جمعوه في الشتاء، ويجنوا ثمار ما غرسوهُ من التعبِ والعرق والتقتير على أنفسهم في أربعين سنة أو حولها، حيث ينتظرون الساعة واللحظة التي تنتهي فيها التزامات العمل وهم لا يزالون في صحة لينطلقوا في الأرض متخذين من شعار “دهنّا في مكبتنا” شعارًا للمرحلةِ الذهبيَّة من أعمارهم.

تشدهم هذه المقولة التي تحمل المعاني السامية والغايات النبيلة في استثمار جنى وتحويشة العمر فيما ينفعهم والأقربون، في بلدانهم وأوطانهم. فلربما الكثير من الجهد والمشاريع التي ينخرطون فيها لا تأتي لهم بمزيدٍ من المال، لكنها تجلب لهم بعض الراحة والشعور بأن حياتهم فوق كوكب الأرض لم تنته بعد ولا يزال لها معنى!

منهم من يشتري أرضًا بوار، لا تُزرع، خرَّبتها أيدي الإهمال وتركها أهلها دون إصلاح ويعيد لها الحياةَ أفضل مما كانت عليه في أعز سنواتِ عمرها. اتخذوا من البستنة وإحياء البيئة هواية، وليس تجارة. ومنهم من يبني أرضًا اشتراها منذ القدم وادخرها لهذا العمر، فالعِيال كبروا ويحتاجون سكنًا يخفف عنهم ثقل مصاريف الاستئجار. وآخرون يشاركون شبانًا في مشاريع جديدة، ليكون عندهم ما يكفي من رأس مال ويبدأون حياتهم العملية، وآخرون اشتغلوا في حرف يدوية كانوا أجلوها لانشغالهم. ومضافًا لهذه المشاريع، لهم العديد من المساهمات الفكرية والاجتماعية البناءة.

حقًّا، قائمة من المصارف البديعة التي يذهب فيها جنى عمر من تعدى الستين، وهم كانوا رجالًا – فقط – في الماضي. أما الآن فالنساء فقن وتجاوزن الرجال حماسة في المساهمة في الإعمار والاقتصاد، حين تحين الساعة الذهبية ويؤذن لهن بالانصراف من العمل الرسمي طواعية، أو إلزامًا!

كبار السنّ والمَقَام، هم فئة من المجتمع تستحق كمًّا من التقدير لهم والتسهيل لأفكارهم، رجالًا ونساءً. بل، والكثير من التشجيع والإطراء على إبداعاتهم وتعزيز قناعتِهم بجدوى أيام ما بعد العمل والدوام اليومي. فهم بدلًا من أن يقولوا كفانا تعبًا، يقولون: من أين ومتى نبدأ؟



error: المحتوي محمي