حينما كنا أطفالاً في بداية السبعينات الميلادية، كانت رحلاتنا المدرسية في البساتين، وكل حسب المدينة التي يعيشها، وكانت ألعابنا معظمها في النخيل والبحر، وبما أننا في سنابس بجزيرة تاروت التي يحيطها البحر من الشرق والنخيل من الغرب فكان لا بد لنا أن نعيش الحالتين، عشنا البحر بكل تجلياته في طفولتنا وشبابنا، فكان القمبار أشهر وسيلة للصيد في زماننا، أما النخيل فكانت مصدر الإلهام والمغامرات، حينها كانت الوزارة بستاناً كبيراً من الشجر المثمر، اللوز والموز والرمان، وفي وسطها عين كبيرة تسمى عين أم الفرسان، وكذلك عين الوزارة وعين الضامن، أما في جنوب سنابس فكانت عين السيف الحارة وعين الصفار وعين الكويتي، وفي تاروت الكثير من العيون لكن أشهرها حمام تاروت.
أما في أنحاء القطيف فيوجد في كل شبر عين، منها على سبيل المثال عين الجعبة وعين داروش وعين المنصوري وعين اللبانية وعين الغميري وعين الحرايق… والكثير الكثير.
وحينما يبدأ الحديث عن العيون في القطيف نعود للتاريخ، منذ متى كانت تلك العيون، ومن الذي حفرها؟؟
لا شك أن من قام بحفرها وبنائها أناس أهم من الخبرة في مجال الري، وحينما قمت بزيارة استطلاعية لبعض العيون وجدت أن هناك تشابهاً إلى حد كبير في الشكل والحجم والتقارب في المسافة بينهم.
ولذا استعرت بعض ما كتبه السيد عدنان العوامي، حيث يقول: “تسُوْد في الأوساط الشعبية مقولة فحواها: إن العمالقة هم الذين حفروا العيون في القطيف والأحساء، وقد استحوذ هذه الوهم حتى على أذهان المثقفين، أيضًا”.
إنَّ خلاصة الرأي السائد لدى الجيولوجيين هي أنَّ مياه واحتي القطيف والأحساء وجزيرة البحرين، وما حولها من ينابيعَ في الخليج العربي، تأتي من حوض (Basin) نجد، متخللة الصحراء، منسربة خلال شروخ وشقوق تشكل عروقًا مائية تحت سطح الأرض.
وأقرب ما يمكن الاطمئنان إليه – من وجهة النظر العلمية – هي النظرية القائلة بأن هذه العيون هي عيون كارستية (Karst spring)، ويعرِّفون الكارست بأنه تجاويفُ نهريَّة، وكهوف، وممرات متصلة داخل طبقات الأرض، نشأت من تحلل الصخور الكلسية، أو الجيرية، التي تكوَّنت في العصر الطباشيري من جرَّاء الترسُّبات الطينية أثناء حركة نشوء الجبال في المنطقة التي كان يغطيها بحر تيثس Tethys sea، وهو بحر قديم، كان يغمر منطقة واسعة تمتد من موقع البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب غرب إيران، مارًّا بشمال العراق، وهو العصر الذي تكوَّنت خلاله جبال طوروس، وزاجروس، وبنطس، وعُمان، وبسبب نشوئها حدث الميلان المعروف في سطح الساحل الشرقي من شبه الجزيرة العربية منحدرًا بحدة باتجاه الشرق، ومعه مالت تلك الكهوف والأنهار، منذ ما يقارب 4.66 مليون سنة.
وحتى هذا الكلام لم يشفِ غليلي في المعرفة، ولنا قراءة أخرى بإذن الله.