الشخصية المتجددة

يحق لنا أن نتبدل.. أنت نتجدد.. أن نغير من أساليبنا التفاعلية وقناعاتنا الشخصية ومن ثوابتنا الحياتية.
يحق لكل منا أن يقيِّم علاقاته ويقومها وأن يفلتر أولوياته ويؤخر ويقدم في ثوابته حسب الأهمية والضرورية.

يحق لكل منا في خضم هذه الحياة المتقلبة أن يراجع نفسه وأن يقولبها وينخل دواخلها ويعيد برمجتها، وولادتها من جديد، وليتمرد على المألوف والروتين، ويعمل على صياغة الحياة داخله وحوله إلى أخرى أكثر إشراقاً، ومعنى أوسع وأشمل.

وخلال ذلك يجب الحفاظ على الثوابت التي لا تخرج الإنسان عن إنسانيتة ولا عبوديتة فهذه ركائز لا بد منها بل هي الأدوات التي يجب أن يستدعيها ويسترعيها لكي تعمل على تطبيعه من جديد وفق المفاهيم الأصيلة ومن ثم تلبسه ما شاء من الطباع المتناغمة معها ومع اختلاف الوقت وطبيعة الحياة الآنية لكي يواكب المتغيرات ويسايرها متحصناً بما يجب أن يكون ثابتاً ومتجدراً من فطرة إنسانية ونواميس ربانية حتى تبدو ذلك الإنسان الذي تريده نتيجة لقرار أفرزه الحق الطبيعي كي تتغير وتكون أنت كما كنت ولكن في شخص آخر انتفض على التراكمات ونخلها وأفرز منها النقي قل أو كثر وأهمل على قارعة النسيان ما يجب أن ينسى ويتلاشى من مداركه وإدراكه.

كن أنت كما تريد وليس كما يريدك غيرك، كن أنت كما تريد أن يراك من يحاسبك في السماء بعدل وإنصاف ويجازيك، لا أن يعاقبك قدر ما استطعت الابتعاد عن غواية الشيطان وقرنائه حتى تسعد في الدارين، وألا  تكون رهينة أحد ينتفع منك حيث يشاء وينفيك وقتما يشاء.

أعط وابذل واعمل وتقدم وشارك واخدم وساعد، ولكن بقرارك أنت وإرادتك أنت وبعناية وحذر وحيطة، ولا تكن رهينة فردٍ أو جماعة، ولا حبيس رأي وفكرة، ولا أسير توجه ومعارضة، بل مستقلاً بذاتك، محايداً عند الالتباس، متوافقاً مع الحكمة وسداد الرأي شريطة أن تملك مقومات الفهم والإدراك وتفعيل العقل والبعد عن العاطفة الشخصية والجمعية، ولتصمت حتى يحين وقت الكلام، وإن كان فليكن كلاماً بالدليل والبرهان والحجة القاطعة، لا بارتفاع نبرة الصوت والصراخ الفارغ فذلك دليل على فقدان الحجة والمنطق.

ابتعد إن كان وجودك وعدمه واحدًا، وتواجد حين يجب التواجد إن لمست لوجودك فائدة متيسرة. وابذل ما استطعت حين تفعل وبإتقان وتفانٍ بعيداً عن الأنانية والاستئثار بالرأي والقرار بل بالبذل والإيثار مبتغياً تحقيق ما تكفلت بتحقيقه هادفاً للنجاح ومتنافساً مع الآخر بشرف أو مشاركاً إياه بصدق وإخلاص، ولتصفّق إن حقق غيرك ما لم تستطع أن تحققه ففي النهاية الهدف واحد وهو لن يتأتي سوى بالتكاتف والتعاضد واجتماع الجماعة.

اعرف من أنت وما هو وزنك ومقدارك ولا تحمل نفسك ما لا تطيق حتى يكون عملك متقناً، ولا تبخس حق غيرك ولا تظن أنك تستطيع فعل كل شيء فأنت حينها تغبن نفسك وتظلمها، ويكون عملك سرابًا وخرابًا.

انتفض وغير من روتين حياتك فالتكرار والتشابه غبن للنفس وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام: “من تساوى يوماه فهو مغبون” أو كما قال سلام الله عليه. وهذا يحتاج أن تفعل عقلك وفكرك وتستفز ملكاتك فلكل إنسان قدرات مكنونة ومواهب مدفونة، وهي حية نحتاج فقط أن نسقيها لتنبت وتزهر وتؤتي أكلها وثمرها، أما أن يعيش المرء حياته يأكل ويشرب وينام ثم يعيد الكرة فهو لعمري والبهائم سواء، فهل يرضى أن يكون كذلك وقد كرّمه الله بالإنسانية وأنعم عليه بالعقل والإدراك والتدبر، وهو إذا لم يفعل عقله وقلبه وبصيرته فإنها سوف تضمحل وتموت وهنا لا فرق بين أن يكون حياً أو مدفوناً تحت التراب، أما إن فعَّل ما أنعم عليه ربه سبحانه حين جعل له السمع والبصر والفؤاد وغيرها وأثبت إنسانيته وآدميته فهو بذلك يعطي المعنى الحقيقي لوجوده حين يغذيه بالعمل ويرويه من ماء الحياة ليكون هذا الوجود دائماً ما دامت الحياة، فهو لن يموت ما دامت أعماله شاخصة وأياديه البيضاء ترفرف أعلامها على مسارح الأزمان وفي سجلات الدهور وعلى ألسنة المنصفين ونقوش الأمكنة وقصص التاريخ، والبقاء لله وحده عز وجل ربنا وتعالى.



error: المحتوي محمي