لا تكفوا عن تدوين أفكاركم فإنها تأتي دونَ إنذار وتذهب دون إخطار. واقعًا، ما أسهل أن ندوّن الكثير في يومياتنا، فلا نحتاج دفاتر ولا أقلامًا ولا مماسح، لأنَّ التقنية الحديثة وضعت في أيدينا آلات باستطاعتها حفظ كل خطواتنا.
لا يستفيد الشبَّان والشَّابات من صور الفطور والعشاء وجلسات المقاهي والصور الباهتة، بل يستفيدون مما يطرحونه مع الرفقاء من أفكارٍ في هذه الأوقات. فالكثير من مشاريعِ الحياة تبدأ في صورةٍ هزلية رجراجة، ثم تتحول إلى واقعٍ صلب، يجلب المالَ والمنفعة لصاحبه.
ثلاثةَ أشياء يحملها كلُّ واحدٍ منا في جيبه في هذا العصر، صوتٌ وصورة وقلم في آلةٍ واحدة، نستطيع أن نوثق بها أجملَ اللحظات وندوّن أنفعَ الأفكار ونسجل أجملَ الأصوات. فهل تصدق لو قلتُ لك إن الدراسات أحصت أن كلَّ واحدٍ منا تخطر في باله تقريبًا ٦٢٠٠ فكرة كل يوم؟! حتى إن كثرة توارد الأفكار تؤرّق بعضَ الناس وتحرمهم من النوم، كما قال أبو فراس الحمداني:
إنِّي أبيتُ قليلَ النَّومِ أرَّقني … قلبٌ تصارعَ فيهِ الهمُّ والهِمَمُ
ثم أينما تكن فلا تخف سرَّاقَ الأفكار، في الوظيفة والتجارة والمعمل. اكتب هذه الأفكار وشاركها من تعتقد أنه سوف يكون لك عونًا في تحويل فكرتك من حلمٍ إلى واقع. ولربما كثير من الناس جالت في عقله ذاتُ الفكرة ولم يتمكن من تحويلها إلى مشروع، وأنت من تغير حياته تلك الفكرة!
للأسف، هناك ملايين الساعات تضيع هباءً منثورًا اليوم في العالم الذي نحن جزءٌ منه في الدردشة والثرثرة الفارغة لا تجد بين طياتها إلا الفراغ والسخرية. فلو استفاد الناس من هذه الساعات، الله وحده أعلم كيف تتحسن حياتهم وظروف معيشتهم!
يتقدم بنا قطار العمر سريعًا، ونسأل: لماذا تبخل أدمغتنا بالأفكار، ولم تعد تعمل كما كانت؟ هي شحَّت وبخلت لأننا أهملنا تدوين عطائها والاعتناء ببناتِ أفكارها. أهملنا تدوين تلك الفكرة الجميلة وتنفيذ ذلك المشروع الجديد، فماذا بعد؟