ليحمد اللهَ اليوم من تقدَّم بهم قطارُ العمر وباتت شهواتهم مساكنها أفكارهم وعقولهم ومخيلتهم، واتجهت غرائزهم نحو الغروب ووصلوا إلى ما هم فيه مرغمين لأن أجسادهم كما قال صخر بن عمرو الشَّريد بعد أن أصيبَ في القتال:
أهُمُّ بِأَمْر الحزْم لَو أستطيعهُ
وَقد حيلَ بينَ العَـيرِ والنَّزَوانِ
وأعانَ اللهُ شبَّان وشابَّات هذا الزمان على الاستقامة. في صغرنا كنا نتخيل أشكال جاراتنا ونغمات أصواتهنّ وروائحهنّ في أذهاننا، وإلا رؤيتهن وملاقاتهن كانت أقربَ إلى المستحيل. لم نعرف الأسماء إلا بعد أن أصبحنَ أم فلان وأم فلانة. في عمر الزواج تذهب فرقة استكشاف من الأهل تستعين الواحدةُ بالأخرى من أجل أن يكتمل وصفُ تضاريس العروس، فلا صورة يمكن الحصول عليها إلا من حكايات أفواه النساء.
التلفاز كان محتشمًا في كلِّ البرامج والمحطات، وهي قليلة. لا عري إلا في الوجه وبعض السيقان بلوني الأبيض والأسود، وبسبب رداءة الصورة كنا نحيل كلَّ شيءٍ إلى الخيال. ومع كل هذا الضعف في وسائل وحبائل الشيطان فعلنا الأفاعيل. اجتذَبَنَا الشيطانُ إلى مواقعه ومشينا في مخططاته. ولم ننجح في هذا الصراع لأن الشيطان مبدعٌ في حرفته ويطوّر أساليبه وتقنياته في كلِّ عصرٍ وزمان.
ثم الآن وصلت تقنية الشبكة العنكبوتية التي نسجت خيوط المعرفة والغرائز معًا بدقة فائقة، صور وخلاعة وابتذال تثير العواصف وتلهب الغرائزَ بحرارتها، فكيف للشاب والشابة الصبر والابتعاد عن الابتذال؟! أظن أن شياطين اليوم هم تلاميذ صغار في الصفوفِ الأولى من مدارسِ البشر يتعلمون مبادئَ الإغواءِ والاستمالة.
لم أكن أتصور معنىً واضحًا لجملة “الصابر على دينه كالقابض على الجمر”، والأحاديث التي تمتدح ثبات الشبَّان والشَّابات على الطاعة مثل اليوم، فكل شيء يدعوهم ويناديهم لاقتراف الخطايا. فلو سألتني عن وصفةٍ للشباب للاحتماء من حرارة هذا الجمر، فلن يكون بوسعي إلا الدعاء والرجاء من الله أن ينجيهم منها. دعك من الصبر على الدين، الآن، واسأل كيف يصبر شباب اليوم – أعانهم الله – على الجرائم الأخلاقية ويحمون أنفسهم منها، وكيف يصبرون على أمورِ الدراسة والعمل في حين تلاقيهم هذه المناظر ٢٤ ساعة دون توقف!
هم فعلًا أقوى من القابضينَ على الجمر حين لا تغريهم من تجردتْ أو تجرّد وتعرّى مِمَّا يُغطّيه ويكسوه كما تَعرى الأشجارُ من أوراقها والأرضُ من حشائشها!