قد يختلط عند البعض من الناس، مفهوم الحياء ومفهوم الخجل، حيث يظن البعض أنهما يحملان المعنى نفسه، وهذا قد يوقع البعض في إشكالية فهم الآخر فهمًا خاطئًا، وعلى أساسه يبني نظريته أو رأيه وفق ذلك الفهم الخاطئ، وهذا بلا شك سوف ينتج عنه اتخاذ قرار غير دقيق تجاه الطرف الآخر، وذلك بسبب عدم تفهم طبيعة الموقف الذي شاهده من الطرف الآخر.
في حين أن الفرق بين مفهوم الحياء ومفهوم الخجل فرق شاسع، بل هما طريقان متوازيان حسب المفهوم الحسابي، أي لا يلتقيان إطلاقًا.
إذ أن مفهوم الحياء، هو سمة عالية من الأخلاق، بل هو خلق رفيع جدًا، نابع من التربية الحسنة، ممّا يمنع صاحبه من عدم فعل أي عمل قبيح تجاه نفسه أو تجاه غيره، وهي سمة من سمات الأنبياء وعباد الله الصالحين، وقد أشار له ربنا في سورة القصص الآية ٢٥، في القصة المذكورة بين بنات سيدنا شعيب وسيدنا موسى عليهما السلام، حين قال عز شأنه: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ}.
أما مفهوم الخجل، فهو خلق مذموم، حيث يشعر صاحبه بالنقص والدونية أمام الآخرين، مما يمنعه من المطالبة بحقوقه، أو الدفاع عن نفسه، مما يشكل حاجزًا من الوصول إلى أي نفع في دينه أو دنياه، وذلك بسبب أنه يشعر أن الآخرين أفضل منه، فيرى كل حقوقه تسلب أمامه من دون أن يحرك ساكنًا، وهذا عكس المفهوم الأول تمامًا، والخجل كذلك هو نتيجة تربية خاطئة، ويُعد من أسوأ أنواع التربية الإنسانية.
والغرض من بيان هذين المفهومين السلوكيين الاجتماعيين، هو لأجل إيضاح فهم طبيعة الموقف من الطرف الآخر، وعلى كل صعيد، دون الخدش – بكل تأكيد – بكرامة الآخرين، حتى ولو لم يتوافق تصرفهم مع قيمنا ومبادئنا وتربيتنا، تظل كرامة الإنسان محفوظة ومصونة ومحترمة.
في إحدى الواجهات البحرية، عند بعض المسطحات الخضراء، في منطقتنا القطيف الجميلة والرائعة، حيث تكثر عليه اللقاءات المتنوعة، من مواطنين ومقيمين، وفي هذه الواجهات البحرية ممشى مخصص لممارسة الرياضة بجميع أنواعها، ولعل الرياضة البارزة فيه هي رياضة المشي.
وباعتبار أن هذه الواجهة البحرية أحد المرافق العامة، الذي يسمح فيه للمواطن وللمقيم بالترويح عن نفسه وعياله، بين أجواء الطبيعة الخلابة، وخاصة في الأجواء الجميلة كالتي نعيشها، من طقس جميل أمام مناظر جميلة، سماؤها وأرضها تتنافسان في الإبداع والعطاء الإلهي، مما يعكس حالة من تفريغ الشحنات السلبية وتعويضها بشحنات إيجابية، تساعد الإنسان على تجديد طاقته الروحية والجسدية، وهذا أمر مطلوب، وتدعو له الفطرة والدين والقانون، والجميع على وفق هذا الاتجاه.
وما أود الإشارة له، وأذكّر به نفسي وغيري أن بلادنا بلاد الحرمين الشريفين – حفظها الله – تمثل الوقار الأخلاقي والحياء المكتسب من الدين الإسلامي والتربية الصالحة، والتي تعكس بدورها سلوكًا شخصيًا واجتماعيًا مميزًا، حيث تجنب صاحبها الوقوع في الأخطاء المذمومة، سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي، فعندما تمتلئ هذه المسطحات الخضراء والعامة بمجموعات شبابية من الجنسين، دون التفريق بينهما سوى في اللباس الملون والمطرز، وفي أشكالهم البيولوجية، أما الأفعال فقد لا تراها تختلف كثيرًا، كالهرج والمرج وما شابه ذلك، وهم في مرفق عام، يجمع بينهم أطفالًا وكبارًا، ومراهقين من كلا الجنسين، فضلًا عن الآباء والأمهات مما يشكل لهم إحراجًا كبيرًا أمام أبنائهم.
وهذا لا يفهم على أنه تدخل في الحريات الشخصية، لأن مفهوم الحرية العقلانية، أن تكون مقيدة بقانون تحفظ من خلال حقوق الآخرين – أي الحرية الذي تتملكها ضوابط شرعية وقانونية – وهذا المفهوم ممضى في كل الدساتير الدولية، إما أن يكون ضابطها شرعيًا وقانونيًا، أو قانونيًا، إذ لا توجد حريات مطلقة، وإلا أصبح العالم غابة يحكمه منطق الوحوش والأنانية المفرطة، فمن غير المناسب دينيًا واجتماعيًا وعرفًا أن ننزع لباس الحياء دون مبالاة لكل تلك القيم والأعراف الدينية والاجتماعية.
المرافق العامة والترفيهية خاصة، نشأت لعامة المواطنين والمقيمين، وذلك لتحقيق هدفها وهو الترفيه عن النفس من أعباء الحياة اليومية؛ لهذا ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أن السواد الأعظم من هذه التجمعات من الفئة المحافظة دينيًا وشرعيًا واجتماعيًا، وهنا ينبغي المحافظة والالتزام بهذه المعايير القيمية، لكي يسعد الجميع بهذه الأماكن الترفيهية العامة والإنسانية، دون إزعاج أي طرف ما، وما يراه الآخر أن فعله مناسب، وهو خلاف لتلك القيم والمبادئ، دون المراعاة إلى هذه الأسس، ويعتقد أن فعله هذا غير المنضبط بهذه القيم والمعايير الإنسانية قد لا يشكل إزعاجًا نفسيًا وروحيًا ودينيًا للآخر، هذا يعتبر حالة من أنواع الأنانية المذمومة اجتماعيًا ودينيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا.
وهنا يكمن دور الحياء، ويكون هو سيد الموقف في مثل هذه الحالات، وبما أننا كلنا أخوة في الدين والإنسانية، إذ لابد علينا من احترام بعضنا البعض، وأن نضع في عين الاعتبار أن راحة كل شخص هو تعبير وشعور إنساني تجاه الطرف الآخر، فلطفًا وليس أمرًا، من كل رواد هذه المرافق العامة وخاصة المرافق الترفيهية، اللطف ثم اللطف بالآخرين والعناية الفائقة بكل المعايير الدينية والاجتماعية.