{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

“يا بتي.. ويش اسوي لش بعد! أنا حتى عشرة ريالات اشتري بها لينا خبز ما عندي”.. جُملةٌ قالها مسكينٌ في الخمسينِ من عمره في مقَر عمله كحارسِ أمن ومِن حوله كُلُّ الناس مُنغمِسة في الشِراء. سمعتها فَسَقَطَت على مسامعي وكأنها جمرٌ حارق.

يا إلهي! كم هِي مؤلمةٌ تلك الكَسرةُ في قلبِ ذلك الأبُ المنهك.
كيف لنا نحنُ من نملكُ أكثرُ من قوتِ يومنا أن نتباهى ونتفاخر بما نملُك؟!
أليس هناك مَن مِنا يشقى ليلاً ونهاراً ويملئ النَّفْسَ غُباراً حتى يُلَبي احتياجَ عيالِه؟!

ثُمَّ ماذا؟ صورٌ وصورٌ ومقاطع لمن يُطلِقُ عليهم ذاك المسكينُ البائس أصدقاء. يتابعهم جُلُّ أفرادُ أُسرته وتَتَقرحُ أعيُنَهم حزناً على حالهِم مرةً بعد أُخرى.
فتلك تلتقط صِوراً لطبقٍ شَهِيٍّ على ضفافِ مطعمٍ فاخر. وذاك ينشرُ صورةً بَعدَ أُخرى لحذاءِ مشيٍّ نادر. وذا أبٌ بخزينةِ ألعابِ صغيرِهِ مُجاهِر.
تتحسرُ زوجةُ المسكين فتطالبه بموعدِ عشاءٍ فاخر. تشتعلُ البنتُ بالحِرمان و.. وتطلبُ مِثلُ هذا الفُستان من صُنعِ ذاكَ الفنان. أما الطِفلُ فحالتهُ ليست بسعيدة فليس لديهِ لعبة جديدة.

هنا يعتصر قلب ربُ الأُسرَة من قوةِ تلك الحسرة. لا شيءُ في يَدِهِ يَفعلُه فالصبرُ بالفعلِ أَتعبهُ.

رفقاً يا سادتي الكِرام بعوائلٍ نالت من الخيرِ الرّكام. ما هكذا تُحمَدُ النِّعم ولا هكذا هيَّ {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
حديثنا عن النِّعم إنما يكون عن طريق حمدُ الله وشُكرهُ أولاً ومساعدةِ المحتاجين وقضاءِ حوائجهم، وثانياً وأخيراً عن طريق العيشِ في حياةٍ كريمة لا حياةُ تَرفٍّ لَئيمة.



error: المحتوي محمي