بقدر أخطائنا يهرب النوم من عيوننا

النوم نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وهو السبب في بقائه واستمراره بعد قدرة الله على هذه الأرض، ففيه يجمع للإنسان بين راحة الجسم وراحة الفكر.

يقضي الإنسان الطبيعي حوالي 30 % من حياته نائماً، هذه الظاهرة كانت وما زالت محل اهتمام العلماء والباحثين مند عصر فلاسفة اليونان، وفي الوقت الحاضر أصبح علم أمراض النوم علماً مستقلاً بذاته، وهناك جمعيات ومراكز طبية عالمية تشرف على هذا التخصص.

فيما مضى كان ينام متى أراد، وفي أي مكان يكفيه فقط لتحقيق ذلك شعوره بالنعاس ورغبته في النوم ليدخل فيه بعمق حتى الليالي التي كانت تعتبر مرهقة ويطير النوم من عينيه فيها؛ لم يكن يتمنع النوم عنه إلا لنصف ساعة بالكثير، وبعدها ينجح في الدخول في عالم النوم “اللذيذ”.

أما الآن فالوضع تغير وأصبح من الذين يعدَّون نجوم الليل في فراشه أرقاً، طبعاً يعدّ نجوم الليل إن تمكن من رؤيتها من خلال شباك غرفة نومه المكيفة والجميلة وعلى الفراش الوثير وليس في المرقد المفروش للتو في السطوح بعد رشه “السطوح” بالماء كي يبرد، كما كان في زمان طفولتنا حيث لم نكن نعرف الأرق لا الصغير منا ولا الكبير، كنا ننام النوم اللذيذ، في الليل الطويل، فعندما يحاول أحدنا إيقاظ أخيه وهو في آخر أو  سابع نومه أي مرحلة النوم العميق، ينهض فوراً من الفراش نشيطاً ومرتاحاً؛ كونه لا يشتكي من أرق أو قولون ولا يحزنون.

عندما تأوى إلى الفراش وتحاول النوم وتتقلب فلا يغمض لك جفن وتحاول فتفشل وبعد جهد تنام، هنا تشعر بأن عندك مشكلة.. إنها مشكلة الأرق.

في وسط تلافيف الدماغ، وتجاويفه المعتمة، وفي نقطة ساخنة تزدحم بالأسئلة، والذكريات، وعلامات التعجب، هناك.. تتموضع غدة صغيرة بحجم حبة الذرة، تسمى “الغدة الصنوبرية” معروفة لدى العلماء والباحثين منذ وقت طويل، هذه الغدة تفرز هرمون الميلاتونين “Melatonin” يفرز وفق نظام دوري يتبع تعاقب الليل والنهار، إذ إنه يفرز ليلاً، ويتوقف إنتاجه في النهار.. إنه { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ}.

أُجريت العشرات من الأبحاث والدراسات للتعرف على المزيد من خصائص ووظائف هرمون الميلاتونين، فعلى غير ما عرفه الجميع، ونُشر حوله من أن إنتاجه يتم بواسطة الغدة الصنوبرية، فهو موجود أيضاً في شبكية العين وبعض الأعضاء الأخرى، وتزداد مستوياته في الدم عندما يكون الإنسان في الظلام، ويوجد بكميات أكبر عند الصغار، ويتناقص إنتاجه كلما تقدم الإنسان في العمر، إذ معدله بالهبوط بعد سن البلوغ.

ويقول البروفيسور “رايتر” الأستاذ في جامعة تكساس الأمريكية بعد تجارب استمرت أربعين عاماً من البحث والدراسة: “.. إن الميلاتونين مادة من أكثر المواد فعالية في جسم الإنسان.. ويساعد الجسم في حربه ضد الجراثيم والفيروسات، ويحسِّن نوعية النوم، ويخفف من متاعب الأرق، وخصوصاً الذين يسافرون مسافات طويلة بالطائرات، وقد يساعد في الوقاية من السرطان وفي الحفاظ على حياة صحية مديدة..”.

وقد ثبتت صحة بحوث الدكتور رايتر في السنوات الماضية، حيث نشرت نتائج دراسة أُجريت في معهد “ماستوتشيتس” الأمريكي، وقد أشارت إلى أن إعطاء الميلاتونين بجرعات صغيرة لا تزيد على (0.1 ملغ) قد ساعد على إحداث نوم طبيعي عند من أجريت عليهم التجارب.

يقول العلماء “إن هرمون الميلاتونين قد يعيد ضبط ساعة الشيخوخة، ويعيد الشباب مرة أخرى!”.. أي يساعد على ضبط وترتيب ساعاتنا البيولوجية على اليوم والفصل السنوي، وعندما يحصل تضليل لضابط الوقت الداخلي نتيجة رحلة طيران طويلة، أو عندما يغّير الإنسان من دوامه النهاري إلى فترة ليلية فإن الميلاتونين يقوم بإعادة ترتيب وضبط الساعة الداخلية لأجسامنا.

من العوامل التي تجعلنا نسيطر على القلق والتوتر النوم الكافي والصحي لتجديد الجسم والشباب ويفضل النوم في أوقات منتظمة في غرفة هادئة ومظلمة أو إضاءة خفيفة وباردة لما لذلك من تأثير على إفراز هرمون الميلاتونين الذي يجعلنا ننام بشكل أفضل، وعدم شرب ســوائـل كـثــيرة قـبـل الـنـوم مـبـاشرة، والـنـوم بمـعـدل 7 – 8 ساعات يوميًا للحصول على صحة جيدة وشباب أبدي.

إن الـنـوم بشكل جيد وساعـات كافية يجعل الوجه مرتاحًا ولامـعًـا ويقلل التجاعيد، بينما ينتج عـن النوم السيئ رفـع الكورتيزول “هرمون الضغط العصبي”، وبالتالي زيـادة الـوزن وتسارع الشيخوخة.

بقي أن نشير إلى أن الميلاتونين يحتاج إلى تحفيز تقوم به بعض الفيتامينات وأنواع من الأغذية، بالإضافة إلى زيادة التعرض لضوء النهار، وفي المقابل فهناك مثبطات لإنتاج الميلاتونين قد تقلل إفرازه إلى حدود ضعيفة ومنها: “التدخين، المنبهات، وقائمة من الأدوية التي يصعب حصرها، وعادات يومية خاطئة”.

هناك أكثر من سبب للأرق أو اضطرابات النوم، ومعظم الآراء تربطه بالمواد الكيميائية وبعض المواد الطبيعية التي تسبب تحفيز وتهيج المخ مما ينتج عنه الأرق، كما أن هناك آراء تؤكد أن هناك أموراً أخرى في أسلوب الحياة لا يلتفت إلى تغييرها الإنسان تؤدي إلى تلك الاضطرابات.

يقول أهل الغذاء إن الأصل في النوم المريح يبدأ من طاولة الطعام والعكس، فإن النوم القلق سببه محتويات هذه الطاولة من طعام وشراب، وإن لم يكن فإن الطعام والشراب سيساعد على حل المشكلة.

النوم القلق سببه الغذاء، إذ يعتقد أن هناك بعض المواد الكيميائية الموجودة طبيعياً أو مضافة للأغذية يتعدى تأثيرها على شعيرات المخ وأوعيته الدموية، فمن تلك الأغذية الطبيعية وجود الكافين المادة المنشطة في الشاي والقهوة والشوكولاتة.

وعن علاقة أمراض النوم بالغذاء، أوضح الأطباء والباحثون في اضطرابات النوم بالقول: الغذاء قد يؤثر على النوم بشكل مباشر أو غير مباشر فمثلاً – بالطرائق المباشرة – أن الطعام قد يسبب الأرق وقلة النوم وهذا ما يعرف بـ الأرق الناتج عن حساسية الطعام وهو من الأمراض الموجودة ضمن التصنيف العالمي لاضطرابات النوم، ويتم تشخيصه بعد استيعاب المسببات الأخرى للأرق، لأن هذا النوع من الحساسية يظهر على شكل طفح جلدي، بل على شكل عدم القدرة على النوم، فإذا ما ابتعد عن الأطعمة المسببة زال الأرق والعكس بالعكس.

كثيراً ما نرى أشخاصاً يثقلون على أجهزتهم الهضمية بالطعام، ثم يقضون الليالي تحت ضغط كابوس مخيف، يكون مرده ذلك السلوك الخاطئ، فالأفضل أن يراعوا خفة وجبة المساء لكي تتيح الفرصة كي يناموا مرتاحين.

إذا كان عشاؤك خفيفاً فإنك ستجوع حتماً وربما استيقظت من النوم أو تقلبت في فراشك وقد سيطرت عليك فكرة أنك جوعان فإياك أن تقوم وتأكل، فإن عادة الأكل في هذا الوقت عادة سيئة وربما سببت لك الأرق، تجاهل رغبتك في الأكل، يمكنك شرب كأس من الماء “الماء فقط ولا شيء غير الماء”، وسوف تتغلب عليها ولن تأخذ أكثر من أسبوعين.

وجبة العشاء الثقيلة تحتاج إلى فترات هضم طويلة قد تسبب اضطرابات في النوم وأرق على الفراش، لذا فدائماً ما ينصح بأن تجعل الوجبة الرئيسة في الغذاء، أما العشاء فيحبذ أن يكون خفيفاً، يحتوي على نسبة أعلى من الكربوهيدرات ونسبة أقل من البروتين لكون المواد الكربوهيدراتية تساعد على إفراز السيريتونين في المخ وهذه المادة تساعد على جلب النوم، ويشترط أن تكون سعرات قليلة طبعاً، والنصيحة التي نسمعها بتناول كوب من اللبن أو الحليب الدافئ نصيحة غير صحيحة، وعليك بالفواكه والخضار والحساء الخفيف، ثم انتظر النتائج بنوم هادئ وأحلام سعيدة.

المتهم الأول في مسألة الأرق هو الكافيين، والكافيين موجود في الشاي والقهوة والكولا والكاكاو.

والكافيين عدو النوم الأول بين الأغذية، وهو نوع من أنواع المنشطات الذي يؤدي إلى زيادة ضربات القلب على نحو أسرع ويجعلك أكثر يقظة، لذا ينصح بالابتعاد عنه مساءً لمن يعاني الأرق، ويعتقد أن قطع العلاقة بكل المشروبات المحتوية على الكافيين مساءً من بعد الغروب من شأنه أن يحل المشكلة، لا تتعجل فقد لا تظهر الآثار في الليلة نفسها، ولكن قد يستغرق الأمر أسبوعاً عند بعضهم.

إن شرب القهوة العربية قد يبدو منشطاً في البداية، ولكن ثق تماماً أنها دائماً ما تؤدي إلى نوم مضطرب بل ومتعب، لأن الكافيين وغيره من المنشطات يوقف عمل مرحلة مهمة من مراحل النوم تدعى حركة العين السريعة والتي تحدث فيها معظم الأحلام، وكلما كثر الاستيقاظ ليلاً قلت مدة هذه المرحلة.

إن الأغذية الحريفة “الحارة” مثل الفلفل والبهارات وكذلك الأغذية التي تسبب تكون الغازات مثل البقوليات والملفوف قد تكون سبباً لمشكلة الأرق عند بعضنا لمن يعانون حساسية منها أو عندهم بوادر قرحة.

أما العلاقة غير المباشرة بين النوم والطعام، فإن الشخص عندما يزداد وزنه يحدث له شخير أثناء النوم وبالتالي تظهر عليه متلازمة انقطاع التنفس الانسدادي والذي يتميز بانسداد متكرر في مجرى الهواء خلال النوم مما قد ينتج عنه توقف التنفس خلال النوم، ويصيب هذا المرض 2 إلى 4% من متوسطي العمر.

أما أرق الشيخوخة الذي يزعج كبار السن، فإن تفسيره بات واضحاً وهو هبوط معدل إفراز هرمون الميلاتونين كلما تقدم العمر، لدى قد يلجأ الأطباء إلى إعطاء الحبة المنومة كوصفة طبية للذين يشكون من الأرق واضطرابات النوم، وهنا نقول إلى الذين يتناولون هذه الحبوب بازدياد مضطرد، سيقودهم إلى دائرة الإدمان.

اليوم تحولت حياتنا رأساً على عقب، إلى متاعب ونكد، منعنا أنفسنا من تناول القهوة والشاي وأي شيء يدخل في تركيبه مادة الكافين “بيبسي وشوكولاتة ونحوهما”، لكي ننام قريري العين إلى الصباح.

إن الأرق يسبب التعب المضني، ويلاحظ ذلك عندما يقضي الإنسان ليلة أو عدة ساعات فقط بدون نوم.

وإذا استمر الأرق أسابيع فإن النوم يصبح قضية معقدة، يقود إلى تناول المنوّمات، والنوم الذي ينال بواسطة الحبوب المنومة لا يصلح الحالة، بل يوهن الأعصاب أكثر، ويزيد التعب.

فالأشخاص الذين يتناولون المنومات كل ليلة يستيقظون صباحاً، وأعضاؤهم مسترخية، وذاكرتهم مفقودة، وقوتهم ضعيفة، والمثابرة على استعمالها تسبب أمراضاً جلدية، واضطرابات خطيرة في الكبد، وتوتراً في الأعصاب.

إن أكبر خطأ ترتكبه عندما تعاني في صعوبة النوم، وتدرك أن النوم الطبيعي أصبح مستحيلاً، وترسخ فيك العادة الفظيعة الخطرة، هي الأدوية المنومة، إنه الجانب المضحك – المبكي من هذا الاستعمال، ضعف وتعب ومصاعب خطيرة تزيد في إنهاك الأعصاب وانحطاط القوى، هم اعتادوا تناول المنومات ولا يستطيعون الامتناع عنها فجأة أو يستحيل عليهم النوم بدونها.

إن من أسباب الأرق الأخرى الضغوط النفسية والجسمية، فإذا استطعت التخلص من التوتر والقلق قبل الإيواء إلى الفراش فقد وجدت حلاً لمشكلتك.

ومن طرائق التخلص المقترحة التمارين الرياضية، والدراسات في هذا الجانب تشير إلى أن البالغين وكبار السن الذين يداومون على تمارينهم، بمعدل مرتين في الأسبوع لمدة 45 دقيقة في كل مرة، كانوا أسرع استجابة للنوم عند الإيواء إلى السرير مقارنة بمن لا يتمرنون، وتفسر هذه الدراسة وغيرها ذلك بأن التمارين تساعد على التخلص من الضغوط والتوترات، إن نصف ساعة يومية من التمارين الخفيفة أو المتوسطة قبل النوم بأربع إلى ست ساعات لجديرة بحل المشكلة.

وأخيراً، هناك فئة من الناس منحهم الله سبحانه و تعالى إرادة قوية، ودربوا أنفسهم مع الأيام على تطويع شهواتهم، ورغباتهم ضمن ما ينفعهم، وهؤلاء هم أقوياء الإرادة، فهل أنت منهم! إن كنت كذلك فمشكلتك مع الأرق محلولة بإذن الله، وإن لم تكن منهم فجرب أن تكون منهم في هذا الأمر، وهاك هذه الاقتراحات:
– استيقظ في وقت محدد يومياً.
– لا تأو إلى الفراش إلا إذا كنت تشعر بالنوم.
– عود نفسك على العادات الجالبات للنوم قبل النوم كأخذ حمام دافئ أو القراءة قبل النوم، والأهم قراءة القرآن الكريم وأدعية النوم المأثورة.
– عود نفسك على التمارين البدنية اليومية قبل النوم بست ساعات.
– ابتعد عن الشاي والقهوة بعد المغرب.
– تجنب التدخين.
– انتظم في وقت قيلولتك “إذا كنت تقيل” وخذها في الوقت نفسه من كل يوم.
– تجنب تعاطي الحبوب المنومة.
– ابتعد عن حياة القلق والتخلص من الأفكار السلبية.
– حاول قدر الإمكان تقليل أو إطفاء الأجهزة الإلكترونية في غرفة نومك.
– إياك والسهر لوقت متأخر من الليل؛ فساعة النوم الأولى أفضل صحياً من ساعة النوم بعد منتصف الليل.
– والخلاصة: ضع لك نظامًا محددًا والتزم به لضبط ساعة النوم، فالالتزام بالمواعيد الموضوعة يساعد الذين يعانون من مشكلات النوم يستفيدون غالبًا من هذا النظام.

نتمنى للجميع نوماً جميلاً مريحاً وأحلاماً سعيدة وتأويلاتها خير في خير.


منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي