نادي الهدى.. إشكالية اسم أم هوية مكان

أثير بالأمس مسألة تغيير مسمى نادي الهدى إلى نادي تاروت أو نادي عشتار، وعلى أثر إعلان الخبر توالت ردود الأفعال، بين مستغرب ومستهجن ومتسائل، لماذا التغيير، وماذا سيفيد؟

خبر أثار حفيظة الكثير سواء من أعضاء النادي القريبين أو البعيدين، وكان مصدره صحيفة «القطيف اليوم»، فعن طريقها انتشر الخبر تباعاً بين أفراد المجتمع، وحقيقة بعض الزملاء والأصدقاء مستائين من هذه الخطوة، وبعضهم هاتفني  معترضاً على تغيير الاسم بل طالبني بكتابة موضوع مفاده لا للتغيير، واستفسر آخر من يقف وراء ذلك مبرئاً مسؤولية رئيس النادي الأستاذ “وصفي البصارة” وكل أعضاء الإدارة المحترمين، وبغض النظر عن موقف الإدارة وتبنيها للموضوع وطرحه للاستفتاء وهو شيء جيد في حد ذاته، وبعيداً عن التفتيش في النوايا وكلها حسنة وخيرة، لكن الخبر أحدث ضجة، وعلى ضوء ذلك سوف أبين الآتي وليس دوري فرض الرأي أو الأخذ به، وإنما للتوضيح، لأن الموضوع لامس الكثير من أعضاء ومشجعي الوردي هنا وهناك وكل من له صلة بالنادي قديماً أو حديثاً، وتكمن الإشكالية ليس الإبقاء على الاسم أو تغييره، بل انقسام الأصوات بين مؤيد ومعارض.

وقبل نقل وجهات النظر المتباينة لا بأس من العودة لشيء من التأريخ للوقوف على إشكالية الاسم المحدثة.

تعود جذور اسم الهدى حين اجتمع ناديان متنافسان في تاروت وهما النسر والنصر، ولظروف تصب في مصلحة البلد قرر الخيرون من أبناء الناديين اتحادهما في نادٍ واحد سنة 1972، وتسميته الهدى، خصوصاً بعد أن فقدت تاروت نادي المنار المعترف به رسمياً إثر سقوطه المدوي سنة 1970 لأسباب عديدة لا داعي لذكرها الآن.

فحين خسرت تاروت هذا النادي العريق والمتولد أساساً من اتحاد ناديي النجم والخليج مطلع الستينات الميلادية وحمل اسم الوحدة، وحين تقدم الأعضاء لتسجيله رسمياً في كشوف رعاية الشباب تمت الموافقة بشرط تغيير الاسم بسبب وجود ذات التسمية، وهو نادي الوحدة بمكة المكرمة، وعلى أثر ذلك اقترح أحد أعضاء النادي اسم لقي قبولاً عند الجميع، وتم تسجيل النادي وحمل اسم نادي المنار سنة 1967، ثلاث سنوات ثم أصبح في خبر كان، بكى من بكى وهجر من هجر عالم الكرة وعالم الأندية للأبد.

بقي ناديان ريفيان كانت مقراهما يجاوران مقر المنار الكائن وسط سوق تاروت، وهما النسر والنصر وكلاهما تأسسا في منتصف الستينات، ناديان حملا لواء الحركة الرياضية قدماً بعد أن تفرق الجمع وغادر الكبار من لاعبين وإداريين سماء تاروت.

وثمة مشهد يبعث على الأسى؛ بقي بعض من أيتام أفراد نادي المنار متشبثين بخيال ناديهم بإحيائه سريعاً تحت مسمى تارة نادي تاروت وأخرى نادي الساحل، ولكن لا حياة لمن تنادي لنصرة ناد أفلت شمسه إلا غير رجعة، التجأ وتوزع صغار السن من نادي المنار في كلا الناديين النسر والنصر وكان لوجودهم دعم واضح في اشتعال حدة التنافس في كل شيء.

لكن صوت العقل قال كلمته الأخيرة وقرر الاثنان  الاتحاد بين بعضهما تحت نادٍ واحد، وهنا برز البحث عن اسم جديد للنادي وغير مألوف أو متداول، في البدء  اقترح تسمية النادي اليرموك ولم يلقَ قبولاً ثم كتبت لوحة باسم نادي صفين بتاروت، ولم يصمد الاسم طويلاً، وطرحت أسماء أخرى إلى أن استقر الحال على تسمية نادي الهدى بفتح الهاء سنة 72 ميلادية المصادف أيام عيد الأضحى في شهر ذي الحجة 1392، وبعد  محاولات مستميتة من شخصيات وإداريين وأعضاء لتسجيل النادي رسمياً.

وكان رد الفعل من مسؤولي رعاية الشباب بجملة صادمة “كان لديكم ناد اسمه المنار لم تحافظوا عليه يا أبناء تاروت، فكيف تطلبون تسجيل ناد من جديد، تجربتكم كانت مرة”، قالوا لهم: “لا شأن لنا في ذلك نحن أبناء اليوم”، وبالفعل لم ييأس أبناء البلد الغيارى من المحاولات المستميتة بطرق أبواب رعاية الشباب مراراً وتكراراً، وأثمر هذا الجهد المتواصل من أناس مخلصين حد النخاع، وبحلول منتصف عام 1976 سجل نادي الهدى بتاروت رسمياً وهو العام المشار إليه بعام التأسيس لكن الاسم وكيان النادي تأسسا قبل 4 سنوات،  تسجيل الهدى حدث لا يصدق أشبه بالمعجزة لكل أبناء البلدة.

انطلق اسم نادي الهدى عالياً في سماء الوطن محققاً الإنجازات تلو الإنجازات، في عدة مجالات المسرح والأدب والفن التشكيلي وفي الشأن الرياضي بكل فروعه، والشواهد كثيرة لا مجال لتعدادها، كؤوس ودروع وصور تتحدث عن أمجاد وأمجاد.

من هذا السرد التاريخي المختصر بأن النادي تحت مسمى الهدى انحفر في ذاكرة أجيال وأجيال، وبحساب سنين التاريخ الهجري يمر على إطلاق الاسم 50 سنة وبالميلادي 48، وليس صحيحاً 46 عاماً كما أشار الخبر وهو المقصود بسنة التأسيس.

هل بعد مرور نصف قرن ننظر لمسمى النادي بشيء من عدم الاقتناع، ونبحث عن التشبث بمسميات تحت حمية الأرض التاريخية وأحقيتها في البروز بأي شكل من الأشكال؟ وحسب رأي أحد الإخوة الذي اقترح تسميته نادي جزيرة تاروت، طيب هناك نادي الجزيرة بدارين وثمة تقارب بين الاسمين وهنا سندخل في تأويلات لا حصر لها، مقترح أسماء مثل تاروت أو عشتار، هل المسألة تأكيد على الهوية وتجسيد لروح  الانتماء؟ وهل التسمية في حد ذاتها ستصب في رفعة شأن الجزيرة وإعلائه؟

إشكالية المسمى لم تكن واردة طوال العقود الخمسة لماذا الآن! واسم الهدى ارتبط مباشرة بتاروت ولم يرتبط بمكان آخر، الاسم مع مرور الزمن تجذر تاريخياً وأصبح تجسيداً لهوية المكان اسمه تاروت، الاسم والكيان وجهان لعملة واحدة نقشا بالعرق والكفاح وأصبح الاسم دالاً ومدلولاً ومنسوباً للجزيرة العريقة، نادي الهدى بتاروت، اسم ارتبط في ذاكرة وقلوب من ضحوا بالجهد وبالمال وآثروا على أنفسهم من أجل كيان اسمه نادي الهدى.

همسة للذكرى:
حين تغلب نادي الهدى على الربيع وهو من أندية جدة في كرة القدم بنتيجة 3 مقابل هدفين في تصفيات كأس الملك خالد 1978، والمباراة أقيمت على استاد جدة، كتبت صحف المنطقة الغربية في اليوم التالي عناوين متشابهة، الربيع يتدحرج من الهدى، نسبة إلى جبال الهدى في جنوب المملكة، هل يتدحرج طلب تغيير الاسم من جبالك يا هدى؟ أم سنشهد ولادة اسم جديد، الاستفتاء الذي طالبت به الإدارة الموقرة هو قول الفصل.

بوح أخوي: من لديه حمية في تغيير الاسم أو الإبقاء عليه فليتقدم بدعم النادي أولاً فهو محتاج للمساندة والمؤازرة والوقوف معه في الملمات وتقديم يد العون، وكل ما تجود به النفس، فالنادي ليس حكراً على شخص بعينه، هو ملك للجميع، وألف تحية لكل من يواصل العطاء لخدمة النادي وأبناء البلد.



error: المحتوي محمي