أكد آية الله السيد منير الخباز أن العلامة الحجة فرج العمران “قدس سره” كان مصداقًا للعابد المتهجد والمتعلق بالله والدائب على زيارة العتبات المقدسة سنويًا، ويقضي أغلب وقته بالانشغال بالزيارة والتعبد، إضافةً إلى مواظبته على قراءة الأدعية اليومية بحذافيرها وأنه لا يتخلى عن دعاء يوم معين أو شهر معين وفي أوقاتها المحددة.
وأضاف أن صلاته تبعث في النفس حالة من الخشوع والطمأنينة، حيث كان لصوته الرخيم وتهجده أبلغ الأثر في نفوس المأمومين وربطهم بالله لكل من شاهده وعاصره وصلى خلفه، مشيرًا إلى أنه حوّل حياته إلى عبادة وجميع ما يقوم به يربطه بالله وكان دائمًا يذكّر نفسه بأن كل هذه الأعمال لا قيمة لها ما لم ترتبط بالله.
ولفت إلى أن العلامة الحجة “العمران” أول من أحيا ليلة القدر وصلاة جعفر وأصر على ذلك حتى أصبح المشايخ يسيرون على نهجه ويؤدونها في مساجد القطيف وتحققت هذه الظاهرة العبادية وكان سعيدًا بذلك.
جاء ذلك في اللقاء الذي نظمه المدرب محمد الخنيزي في جزئه الثالث بالحديث عن الإشراقة العبادية للسيرة الحافلة للعلامة الحجة فرج العمران “قدس سره”، ضمن سلسلة حلقات برنامجه “قل كيف عاش؟!”، وذلك يوم الاثنين 1 فبراير 2021، عبر منصة الإنستجرام.
الأزهار الأرجية
وذكر آية الله “الخباز” أن كتاب “الأزهار الأرجية” أهم موسوعة كتبها العلامة الحجة بقلمه المبارك، حيث بلغ المطبوع منه 16 جزءًا، المنشور منه 15 والجزء الـ16 لم يُنشر بعد، بينما الجزء الـ17 تلف أثناء طباعته أو بعد نقله للنجف لطباعته، مشيرًا إلى أن ما يميزه أنه الكتاب الوحيد الذي احتوى على تراجم أغلب علماء القطيف ووجهائهم على فتراتهم المختلفة.
وأكمل أن العلامة الحجة “العمران” ضبط المعلومات التاريخية بدقة، ولا يسافر مرة إلا ويكتب من معه في السفر بأسمائهم وأحيانًا بتواريخ ميلادهم، بل تبلغ منه الدقة أن يكتب اسم الباص الذي صعد فيه ورقمه واسم السائق ومن أين والمحلات التي يمر بها سواء في القطيف أو العراق أو إيران، لافتًا إلى أن أي باحث الآن يريد أن يبحث عن أثر معين يرجع للكتاب ويجد ما يبحث عنه في “الأزهار الأرجية”.
وأردف أن الكتاب يتضمن الأبحاث الفقهية والإسلامية والفلسفية ورسائل في علم الفلك على الطرائق القديمة وكتب عدة مسائل، منوهًا بأن أسلوبه الشيق الذي نثره بطريقة ممتعة وليست مجرد فرز للمعلومات فقط.
وتابع: “لم يقتصر ديوانه على أدبه وشعره بل جمع فيه ما صدر من أدباء المنطقة وشعرائها وخصوصًا الذين ليس لهم ديوان مثل تدوين بعض من شعر المرحوم زعيم القطيف أحمد بن مهدي نصر الله.
أدبه وشعره
ووصف شعره بأنه تميز بعذوبة القريض وبراعة التاريخ ومهارة الرجز فأبدع فيها، وكان عذبًا سلسًا مستملحًا سريع الانجذاب له.
الوثيقة التاريخية
وبين أنه حرر تاريخ الوطن الذي جسده بتاريخ محافظة القطيف وما مر به من أحداث وقضايا مختلفة ومتنوعة، مضيفًا: دأب العلامة على كتابتها طوال فترة حياته بما يقارب 76 عامًا واشتهر وأصبح منبعًا ثريًا لكثير من الكتابات التاريخية التي تكتب ليومنا هذا، ويعتبر الوثيقة التاريخية الدقيقة في تحريرها.
إنجازاته
تناول آية الله “الخباز ” إنجازات العلامة الحجة ومنها: تربية العلماء على نهج الأنبياء بالإرشاد والتبليغ فأوجد نهجًا لمن بعده، والأسلوب الفاعل في نشر الدين وإيصال المعارف بطريقة مباشرة يحبها الناس، إضافةً لنشر فريضة الخمس وطبع كتابًا، وعمل دفترًا لكل مكلف يشرح فيه كيفية الخمس وإيصاله للحاكم الشرعي، حتى شاعت فريضة الخمس في زمانه واقتدى به العلماء بالطريقة التي يحاسب فيها المكلفين، وأمضى علماء النجف على طريقته بحساب الخمس كالإمام الحكيم والخوئي “قدس سرهما”.
وقال: “لقد مثل العلامة الحجة العمران “طاب ثراه” الوطن في الحوزات العلمية، كما يفتخر الوطن بالأطباء والشخصيات المعطاءة، جسّد المقامات العلمية بالحوزات، وأعطى وزنًا علميًا للقطيف من خلال قلمه الرصين الغني بالعمق والدقة، لافتًا لإشاعته للأجواء الوحدوية بين اتجاه المدارس الإخبارية والأصولية وألف كتابًا لهم وترجم لعلمائهم”.
مكانته
وبيّن أن للعلامة الحجة فرج العمران “قدس سره” مكانة خاصة وموضع التبجيل والاحترام من قبل علماء ومراجع قم والنجف المقدستين، مستشهدًا بسعيد الدبوس عندما سُئِل الإمام الخوئي؛ من يتصدى للمرجعية والتقليد عندما طرحت له بعض الأسماء وقال لهم: الحجة فرج العمران أعلى من هؤلاء، ساردًا لبعض الشعراء وقصائدهم التي تُشيد بعظمته ومحبته ومكانته عند الجميع.
معالم الصبر
وذكر أنه رغم تجرعه ألم الفقد والفقر وتلقيه بعض أنواع الأذى مع المعاصرين له كان يكتم ذلك ويصبر على البلاء، متناولًا موقفه عند تلقيه نبأ وفاة ابنيه حسن وعلي وتجرعه مرارة فقدهما.
علاقته مع أبنائه
وأوضح آية الله “الخباز” أن العلامة الحجة “العمران” كان يفيض حنانًا ورأفة مع أبنائه وبناته، وعندما ترجم لنفسه في الجزء الأول لكتابه “الأزهار الأرجية” تعرض لابنته أم نادر القطري ووصفها بأنها من نوابغ شعراء النساء وافتخر بها وقربها منه، إضافةً لسعادته بشخصية ابنه الأكبر محمد لذكائه ونبوغه المبكر، وكان شديد الاحترام والإعجاب بشخصية ابنيه حسن وحسين.
وتحدث آية الله “الخباز” عن علاقته بالعلامة الحجة قائلًا: “أنا لم أدرك العلامة قربًا خاصًا إلا قبل وفاته بثلاث سنوات وكنت أراقب وأنتظر وقت خلوته وأستغل تلك الفرصة بالأسئلة المتنوعة وكنت أدرس النحو وعروض الشعر وبعض المسائل الشرعية وعندما كنت أقرأ الأدعية يصحح لي إن أخطأت، وكان يرغب في لقاء الشباب ومجالستهم ويأنس معهم ليجيب عن أسئلتهم ويطلب مني حضورهم، وكنت أصر عليهم بالمجيء وكانوا يخجلون من السؤال لهيبته ومقامه الراقي في العلم والدين، وعندما صعدت للمنبر دعا لي بالتوفيق”.
وفاته وجنازته
توفي العلامة الحجة فرج العمران “قدس سره” وهو جالس يتهيأ للوضوء قبل صلاة الفجر من يوم الخميس في عام 1398، وأوصى أن يُغسّل في المغتسل العام، وكان حفل تأبينه وموكب العزاء مزدحمًا بالناس والعلماء وكثرة البكاء لفقده وخسارته، وحضره علماء من القطيف والأحساء والبحرين وشارك في الفاتحة التي استمرت 7 أيام الشعراء والخطباء بإلقاء القصائد ورثائه.
فيديو اللقاء (هنا)