لماذا نربي؟ سؤال ينبغي الإجابة عليه بوضوح لننتقل بعدها إلى الطريقة التي تقودنا لتحقيق ذلك، لماذا نربي؟ لأننا مسؤولون عن تقديم منتج إنساني قادر على التكامل في مضامير التفوق المختلفة، وحينما نريد أن نحقق ذلك فإنَّ التزام المربي بهذا الهدف على مستوى السلوك أولا، قادر بنسبة ما على خلق الطبع الأخلاقي، كقيمة غير متكلفة في سلوك الأبناء، هكذا تتحول النزعات الحسنة إلى أجزاء ذاتية من الإنسان لا ينفك عنها حتى لو أراد ذلك.
ورد في القرآن الكريم قوله تعالى «أتأمرون الناس بالبِرِّ وتنسَون أنفسكم» وأحسن أبو الأسود الدؤلي حين قال «لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثله، عارٌ عليك إذا فعلت عظيم» حقيقة الآية الكريمة وهذا البيت هو أنَّ التناقض بين سلوك المربي وما يأمر به غيره هو أمر قبيح، هكذا لن يجد هذا الإنسان سببا وجيها يدفعه للالتزام بموعظة واعظ هو بذاته لا يلتزم بها.
إذن، فحالما يبحث المربي عن بناء الإنسان ينبغي أن يدرك أنَّ أولى خطوات ذلك هو في تربية نفسه كنموذج صالح للاقتداء، صفة الصدق في الابن تستدعي أن تكون أنت أيها المربي كذلك، صفة الأمانة والكرم والحلم والالتزام بالقانون هي كذلك، وحينما تريد لابنك مستقبلا باهرا ينبغي عليك أن تدرك أنَّ صفة الاجتهاد والمثابرة والإصرار هي صفات ينبغي أن تتحلى أنت بها أولا في أخلاقياتك وأدبياتك المختلفة، لكي تجعل من ابنك كذلك.
فمحصلة القول هي: التربية تبدأ في أولى خطواتها بتربية النفس، بحيث تكون نموذجا صالحا للاقتداء، وحينما لا يكون ذلك فستكون النتائج أبعد ما تكون عن المأمول.
يقول أبو الأسود الدؤلي:
ابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويُهتدَى
بالقول منك، وينفع التعليمُ
وجاء في الأثر «كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم» إذن فلتبدأ أيها المربي بتربية نفسك أولا وتأكد أنَّ أخلاقك الفاضلة وسلوكك الحسن سيمنح من حولك الكثير من الدروس دون أن تضطر للتفوه بها.
المصدر: آراء سعودية