تعثّر حلمها في الالتحاق بالجامعة بعد تخرجها مباشرةً بوفاة والدها، فلملمت الشهادات وأقفلت عليها جيدًا، إلا أنها لم تقفل على حلمها معها، قرابة 30 عامًا أمضتها الفنانة التشكيلية ليلى مرزوق آل نصر الله، وحلم إكمال الدراسة يزاورها بين فترة وفترة، حتى شاء الله لذلك الحلم أن يستيقظ تمامًا، ويُبعث من جديد، لتجد نفسها غارقة بين أسطر الكتب، وصفحات المذكرات، تقرأ وتجتهد، وتتخرج بترتيب يوازي طموحها.
حلم مات في حادث!
حلمت كأغلب الفتيات أن تكون خطوتها التالية بعد الثانوية مقاعد الجامعة، وحين تخرجت ليلى في القسم العلمي عام 1411هـ، توجهت لـ”جامعة الدمام” سابقًا، كونها الأقرب لمنطقتها، إلا أن الحظ لم يكن حليفها، فلم تقبل فيها، فقررت أن تغادر للعاصمة الرياض وتقدم في إحدى جامعاتها، إلا أن القدر حال دون ذلك.
تقول: “في عام تخرجي لم أقبل في جامعة الدمام، وكنت أنوي أن أذهب إلى الرياض، لكن توفي الوالد رحمه الله بعد تعرضه لحادث أليم في تلك الفترة، فعزفت عن أمر تقديمي في الجامعة هناك، وبقيت دون إكمال دراستي”.
ما بعد الحلم
تسافر آل نصر الله بذاكرتها إلى ذلك الوقت، تتحدث عن ذلك لـ«القطيف اليوم»: “كانت فترة ما بعد الثانوية بالنسبة لي فترة حداد لوفاة والدي، رحمه الله، إلا أنني حين استجمعت نفسي، لم أتركها سجينة الحزن والمنزل، فالتحقت بالعمل في روضة الجارودية، بحكم محبتي وممارستي للفن، وأمضيت معهم فترة، وبعدها توالت الدورات وأنواع المهن فقد خضت أكثر من مهنة، حتى خطر لي أن أعود لإكمال دراستي، وأن أحصل على الشهادة الجامعية”.
على خطى أبيها
أصرت ليلى أن تكمل دراستها، حتى بعد أن مرّ على تخرجها 28 عامًا، متخذةً قدوتها في ذلك والدها – رحمه الله – فرغم أن موته حال دون التحاقها بالجامعة، إلا أن قصة كفاحه في التعليم كانت مشعلًا أضاءت به طريقها وهي تتجه ناحية الشهادة التي طالما حلمت بها.
تقول: “منذ بداية تخرجي في الثانوية كنت أتمنى أن ألتحق بالجامعة، تحقيقًا لحلمي، وقد حدث ذلك فعلًا بالتشجيع المستمر من زوجي وحلم والدي رحمه الله، واقتداءً به، فقد أكمل دراسته الثانوية وأنا وإخوتي كنا تحت رعايته”.
وتمضي في ذكرياتها: “كنت أشاركه في تفاصيل دراسته، وأساعده بتلخيص بعض الدروس بسبب انشغاله بعمله وأمور الأسرة، كنت أرى كيف كانت ظروف المعيشة والحياة وجاهد أن يدرس ويتعلم حتى إنه قبل وفاته كان ينوي الالتحاق بالجامعة، ولأنني إنسانة أطمح دائمًا أن أحقق أحلامي وأؤمن بذاتي، لذلك جعلت الشهادة الجامعية عهدًا أصررت على تحقيقه”.
وتتابع: “عملت جاهدة على هذا، لكن كان ينقصني الوعي بآلية الالتحاق بالجامعة وخطوات التسجيل، إلا أنني تجاوزت ذلك بتوجيه صادق ممن آمنوا بي كما آمنت بنفسي، فقد سقوا الحلم في داخلي وجعلوه حقيقة، ومن هذا المنبر أتوجه بالشكر العميق لهم لدعمهم ومساعدتهم”.
بلا خيارات
حين بدأت آل نصر الله في اتخاذ خطواتها الأولى نحو حلمها، صدمت بمحدودية الخيارات لديها، فلم تجد أقسامًا تفاضل بينها، كان هناك خيار واحد فقط وهو “إدارة أعمال”، فقبلت به بكل محبة وسعادة، رغم رغبتها الشديدة أن تلتحق بقسم اللغة الإنجليزي.
طريق غير معبّدة
الطريق الدراسي أمام ليلى لم يكن معبدًا تمامًا، سيما أنها عادت لتجرب خطواتها فيه بعد غياب ما يقارب الثلاثة عقود، فعن أبرز الصعوبات التي واجهتها تقول: “كانت صعوبات قوية جدًا، فقد تركت الدراسة ما يقارب 28 عامًا، فكانت المذاكرة والرجوع للحفظ والمسائل أمورًا صعبةً جدًا بالنسبة لي، لكن ما ساعدني على اجتيازها أن القلب كان سعيدًا جدًا”.
وتضيف: “بحكم أنني فنانة ولي مشاركات فنية، فقد كان بعضها يتضارب مع أيام الاختبارات والواجبات، وقد كنت أذهب للمشاركات الفنية وأنا أحمل الكتاب في هاتفي، وكلما سمح لي الوقت راجعت المادة، ثم أعود بعدها للبيت لإنهاء بعض الأمور التي أكون ملتزمة بها كأم وزوجة، وأذهب في اليوم الثاني لأختبر مادتي، ثم أعود لألتزم بالتدريب بالمرسم والمسؤولية الأسرية”.
وتمضي في حديثها: “كان ضغطًا كبيرًا عليّ، فأنا ككل البشر أملك في كل يد خمسة أصابع، إلا أنني كنت أحمل مهامًا ومسؤوليات بعدد العشرة أصابع، ويجب عليّ أن أنجزها بكل محبة ورحابة صدر، ورغم الضغط الذي كنت أمر به كنت أقول لنفسي: هي بعين الله ولا بد أن تنمو”.
الحلم حقيقة
تحول حلمها إلى حقيقة بعد أن تخرجت قبل شهر ونصف الشهر تقريبًا، وفي وصف هذه اللحظة تقول: “أنا حقًا لاقيت صعوبة في العودة للدراسة، لكن من أراد شيئًا عليه أن يجاهد حتى يحقق ما يصبوا إليه، ويجب أن يتحمل ويبحث حتى يصل، وقد تخرجت مع نهاية النصف الدراسي الأول من هذا العام 1442هـ، بمعدل أعتبره مرضيًا بالنسبة لجهدي فقد قاربت من 4,5”.
وبيّنت أنها تطمح لتحقيق أشياء كثيرة بعد تخرها، وأهمها وظيفة تحقق بها ذاتها؛ لتيقّنها أنها تستطيع إنجاز أشياء كثيرة ولديها القدرة على تحقيقها بمشيئة الله -حسب وصفها-.
التشكيلية ليلى
تمتلك آل نصر الله موهبةً عُرِفت بها، وأصبحت تسبق اسمها، بعد أن أوجدت لنفسها مكانًا في عالم الفن التشكيلي.
تعلقت ليلى بالرسم منذ أن كانت طفلةً في المرحلة الابتدائية، ورافقها هذا التعلق حتى يومنا هذا، تتحدث عن ذلك: “حقيقةً كانت علاقتي بالرسم علاقة صداقة وبحث عن المجهول بشكل دائم، فلم أكن أعرفه بحكم ظروف الحياة والانغلاق، وكنت أمارسه دون معرفة، وأجرب بجهل، فرغم ذلك إلا أن منجزاتي كانت رائعة، فقد حولت منزلنا لصالة عرض لتجاربي”.
وتضيف: “ولأنني أملك رسالةً وموهبة ربانية كان علي شكرها بتعلمها وإنجازها، لأن هذا يعد نوعًا من أنواع الشكر لله وللوالدين والأهل، فقد تحملوا عناء المغامرة اللونية والتجارب”.
وتبيّن أنها لم تلتحق بدورات لتطوير موهبتها، غير دورة تأسيسية مبسطة، أما بقية ما ساندها وطوّرها في ناحية الفن التشكيلي فكان التعليم الذاتي والممارسات والتجارب، فالفن ممارسة -حسب وصفها.
حياة تشكيلية
تطورت ليلى في فنها، وكما أعطته أعطاها، فقد صنع لها اسمًا خولها لأن تقيم أربعة معارض شخصية، كما قدمت تجربة الرسم بالحياكة (الخوص).
وتجاوزت ابنة الجارودية بمشاركاتها التشكيلية مكانها، بل تجاوزت حتى حدود وطنها فكان لها عدة مشاركات دولية مهمة منها؛ سفرها للبرازيل والأرجنتين وعمان وعدة دول أخرى بدعم من وزارة الثقافة والإعلام لتمثّل المملكة العربية السعودية.
خيل وطموح
امتازت أغلب رسومات آل نصر الله بتجول الخيول فيها، فالمتفرج على رسوماتها يجدها حاضرة بقوة، وعن سر ارتباطها برسمها، أجابت: “الخيل هو الإرادة والذات، هو الطموح الذي عليه أن يصهل دائمًا، والذات يجب أن تكون بجمال الخيل بحالة سمو ورقي ووعي، فالخيل لا تتوقف عن العدو، فعلينا أن نعدو ونستمر بالتحليق والحياة بشكل يليق بنعمة الوجود التي نعيشها”.