لقد بات لمقالي هذا بلا إهــداء ليس لي خيار هذه المرة, فإما أن أكتب بجنون أو لا أكتب, لأن روحي تحمل روح شغف الإنتماء, فلا أركن إلى الصمت إلا عندما تعاندني ذاكرتي, عندها أشعر بالاختناق ويراوح تنفسي شهقات احتضار غير عادي, فأغيب في ذاتي لأبحث وسط عزاء الروح, وأبقي أحاكي وجعي كي أعيد إلى قلبي وهج نبضه, وأتلبس جنوني وهل بغير الجنون نستطيع أن نحيا؟ تنهدت و قلت في نفسي: أوه ! ها قد بدأنا, سأحمل قلمي على سطور الجنون, كل ما سأكتبه سيكون مجرد همهمات, لأني أدركت أن هنا قراء وروحي بهذا المكان تطوف أحيانا ونحن نمرْ بحالة اختناق شديدة, فتعجز أقلامنا عن ترتيبْ الحروف وتستعص آلكلمآت على ألسنتنا وتبقىْ الكلمة الوحيدة المعبرة.
إحساس خاص سينتابك وأنت تقرأ مقالي, قد تعيش الجنون ولو بالخيال لحظة القراءة, قد أدهشك وأنت تقرأ في أفكار جنونية لم تخطر يوما ببالك, كم هو جميل أن نتكلم دون قيود ونكتب دون قيود ونفكر دون قيود, حيث بدأت أرى في الجنون نعمة, عندما يهرب المرء من الواقع ويرفضه, نعم إن الجنون هو الحقيقة التي نقولها كلاما ونكتمها في صحوتنا، الجنون هو محفظة أحلامنا، في الجنون يظهر حقيقة الإنسان ومعدنه.
من منا لا تقوده أفكاره بلحظات إلى عالم الجنون, عالم نتخطى فيه كل الحدود, بلا مبالاة لنلمس النجوم ونحسها, وكأنها جواهر صيغت بمقاس أصابعنا,وأنا هنا أحاول أن أصنع للكلمة روحا لتخترق جدار الصمت, ولعلها تصل للقلوب الظامئة ولتجيب على ألف سؤال مات على الثغر, ولتحيي ألف جواب مات مع ضوء العيون, لترسم ملامحنا هذه عندما نكتبها بصدق لتزين فصول الحكاية, وليكون الجمال وليد أسطر الحكاية, لا يهم هل هناك وراء تلك الحكاية بصيص من الجنون!.
هذا لأني كنت اليوم مجنونــــــــــة, قررت أن أطلق العنان لخيالي ولا أجمل من أن اُجنَّ, وأكون مسرورةً منتشية لذات الجنون فكلنا نتمنى ذلك , لكن الذي يحيرني كيف أجعلك تؤمن بهذه الفكرة الخيالية المؤقتة, التي أعطت لهذا الجنون عقلا بحجم الفضاء, ولكني أنصحك أن تأخذ ما شئت من الجنون ذلك لأنه في جعبتي الكثير منه.
حاولت استرضاء نفسي و تدليلها احتلت عليها بكل الحيل, الممكنة واللاممكنة لكنها أبت وفي الأخير, أطلقت يأسي من مكامنه وقررت أن أبحث عن الجنون ووجدته لحظة, أن رأيت الذي يصر على القفز في عقلي يطرق بابي بلا مقدمات, أخبرني أنه يريد استشارتي في أمر خاص ولا يجد من هو أصلح مني, لذلك كنت أعلم أنه طرق أبواب كل من أعرفهم بنفس الجنون, لكني فتحت له قلبي وجلست أمامه وأغلقت عقلي تماما,َ حماية له وتركته ينثر ما يريد حين سألني عن رأيي, وحاولت الإجابة عاد إلى القفز في عقلي من جديد, لكنى هذه المرة لم أغضب فقد وجدت ما كنت أبحث عنه أخيراً.
لقد عشت هذا الجنون في خيالي عدة أيام حتى انتهيت من هذا المقال الذي تقرؤونه, لا عليكم
أنا مشاكسة حتى النخاع, أضحك مرة وأبكي ألف مرة,ولكنني أحب هذه المزاجية حيث أطلقها متحررة من كل القوالب المصطنعة, ومرة أخرى أقول بأن الجنون فنون, ولأنه أسلوب السخرية أو التهكم الفعال, وكثير من الناس عندما تحاصرهم الإحباط و الهموم وبعض المفاجئات الغير مقبولة, يتمنون أن يصلوا إلى هذه الحالة من الاستقرار النفسي المريح ,وبصدق قد اجتزت هذه المرة موانعا كثيرة, وما دمنا في عالم يمشي بالمقلوب، يتعين على المرء أن يكون وطواطا, يتدلى من السقف ليرى الأشياء على حقيقتها, فلا غرو أن يتمنى المرء لو انه مجنون, ليفعل ما يشاء و ما يؤمن به دون أن يُقاد إلى الجنون, وحقا ما لذة العيش إلا للمجانين.
لجنوني حكاية ولحروفي إحساس رهيب, يدفعني للجنون ونبض بـحجم الفضاء, يحتضن كل العيون بكرم إلهي,ولضروب الجنون ألوان, لقد تعبت وتاهت أفكاري و أنا من بني البشر إنسانة, تبدأ الأيام وتنتهي ونحن على ذات الحال دون تجدد, أهو موت النفس أم هو جنون مؤقت, أم هي الفضفضة بذاتها إن كان كذلك فأرجو أن نفيق منه !
عذرا أنا لم أمتلك بطاقة جنون عبر الزمان, لست أدري هل ألج عالم الجنون لآتي بذاكرة جديدة,تعيد لي عبق أيام مضت,أم أفتحه لأستمتع بلغة متفردة,حين تأتي الذاكرة من دنيا الجنون,نبقى معلقين خطواتنا على الأمس فلا يرتد في هذه الذاكرة إلا الوجع,لهذا نهرب إلى الجنون كي نجد عزاء الروح من العمر الذي مر دون جدوى, وهنا مع أصداف حروف الصدق من شواطئ غسلت روحي بالفجر النقي.
كلنا لنا مع الليل حكايات, فالليل هو ذلك الحالك المظلم الذي يتربع على عين الشمس, وينتظرها ما إن تختفي حتى يفتح أحضانه وجيوبه ويمد ذراعيه للموجوعين, لأصحاب الهموم الكبيرة لمن طاردهم وحوش القهر والقلق, للمحاصرين للمحبين لا يجدون فسحة في نهارهم يهمسون بها لبعضهم لآخرين وآخرين, يبقى الليل صديق الفقراء والمرضى و العشاق والشعراء و حتى المجانين, لكن مشكلة الليل بطبيعته المضيافة, ولذا ترى توافد الهموم من كل حدب وصوب متجمعة تحت عباءة الليل فتثقل على صدرونا المتعبة وقلوبنا المقرحة.
أروع لحظات الجنون التي أحلق معها بدون قيود, لا أعرف ماذا أقول فلحظات جنوني معدودة رغم إن تلك اللحظات تستعبدني. هذا قراري ومن خلال جنوني سأبعثر هلوساتي وأعصف بكل التزاماتي,وأعلن جنوني بارتداء وشاح الجنون وبذات العقل, قلت لنفسي كأني مصابة بآهات الجنون و من اختزنت الجراح هي أنت يا أمي!
أجمل ما فينا إن نبلغ بمشاعرنا ذروة العطاء, و في الحزن نلمس صدق المشاعر و رهافة الحس, وحده الحزن لا نقدر على تزييفه فيه نعرف عذوبة العذاب و نتلذذ طعم الدموع,
ما بين القمر والشمس حكاية تسافر على أكتاف الغيم, لتنثر من قارورةِ الورد عطر من أريج الزهر, يتهادى نغما عابقا بنبعٍ من نقاء روحك يا أمي.
أتساءل: كم أم يجب أن نملك حتى يكفّ القلب عن إثارة الجمال والدلال, وكم مرة يتوجب علينا أن نعترف بجمال وجود الأم في حياتنا كي نعرف قيمة الحياة ؟ أسئلة كهذه ما كانت ستخطر على بالي لو لم أشاهدك وأنت تتوجعين يا أمي.
أنا هي وهي أنا حد اليقين, إلى مكنون الروح وتباشير ها الموحدة مع خطى الحنان والحياة, أفتش في الجدران الأربع وأقف وسط دائرة الغرفة أجدها قد تربعت على عرش روحي, أبعثر الجهات فتعاد تجمعها صوب قلبها, كأنها جاذبية حدود القلب إلى مركز الحياة ، ومنها تعلمت كيف أصادق الحلم والصبر كثيرا في كل أزماني, وأقيس نبضي على مشارف لهاث روحي, عندما يأتيني صوتها عبر المدى, يخترق ويمتزج مع وجداني كأنه اختراق الضوء, لحجب الفضاء فتزدحم كل النجوم على أبواب روحي,فأنتشي وتفتح كل دهاليز روحي بالفرح المجنون, وتنهار كل المسافات والحدود, فألمسها أنها تسير مع نبض القلب في أوردتي وشراييني, عندها أدرك ما أنا إلا هي وما هي إلا أنا داعية الله أن يحفظك لي يا أمي.
أتقاسم وحدة الروح أعيد عقلي القابع في خلايا المكان القصي, من حافات المجهول
أتوسد العبور من ذاكرتي إلى ثرثرة الفراغ, لأكتب تعاويذي في نصي المليء بالجنون وأنتظر أزمان الأرض, ألوح إلى الأيام القادمة من حصار القلب عند المساء البعيد, أنا وكم أنتِ سأخرج من الأنا كي أكتب أكثر عنك يا أمي, لم أفعل شيئا غير أني لونت وتحكمت بلون السماء, وقت انحدار الروح إلى فجوة غارقة بالوجع, وغادرت بآخر إغفاءة إلى أفق الروح الساكنة في حلمي, كي أجدك سعيدة يا سيدة الروح يا أمي.
ذات فجرٍ, موشومٍ بعين الشمس وبأجفان الخوف من سماء الغفلة, وضعتْ أفكاري في عقلي لأبـُدي إن السهر أنهى بقايا الليل على جبين الصباح, سأكتب عن ألمي الذي يسكن روحي ويأبى أن يبرح حدود نفسي, التي ربما ألفته وصار مستحيلا أن أحيا بدونه, عذرا لم أكن اعرف أني أدمنت الوجع, أجراس الساعة تعلن الرابعة لهذا الصباح الساكن جدا, وشيء ما يلفني بردائه, استشعر رائحة الوجع تسري في أنفاسي وتلسعني جمرة الترقب بحرارته, وأسأل هل من أعين تترقب سطور إحساسي؟ هل من صدر يتمنى معانقة وحمل صدقي؟ لعلني أكتب عن وجعي بسخاء, وأقطف أي فكرة تافهةٍ بالنسبة للبعض مع هذا الجنون المؤقت.
شنفت انفي رائحة القهوة, وأنا من أشهر مدمنات القهوة في الكره الارضيه,فكيف أدعوك على فنجان قهوتي الرائع هذا الصباح, التي تشدني رائحتها الزكية فارتشف بعض من عذوبتها, فلإدمان القهوة جاذبيتها في أعين البعض كذلك, وهذه مسألة لها علاقة مباشرة بالأذواق أو الرغبات, لا عجب إلا العجب! حيث تنتابني حالات خاصة من التهكم فأجيد ارتشافها, فكيف بي وأنا أمارس جنوني لحظات ارتشافي قهوتي, واعدة أنّ القهوة َ لن أشربها كما الانكليز.
تعودت أن أبوح لنفسي بكل شيء وأضع في مخيلتي شخص قريب جدا, أحادثه ويرد علي
ونتبادل الهموم بصوت عالي, دون أن يكون في المساحة الفارغة أحد غيري, لكنني اشعر بالرضا والراحة وكأنه فعلا كان معي من يسمعني, ترى أهذا هو الجنون؟ وسؤالي المطروح هو: هل حديث النفس المسموع جنون؟! ومن منكم يستخدم التحدث مع نفسه كهروب من واقع؟ من منا لا تقوده أفكاره بلحظات إلى عالم الجنون؟ عالم نتخطى فيه كل الحدود, بلا مبالاة لنلمس النجوم ونحسها, وكأنها جواهر صيغت بمقاس أصابعنا.
أنها أقدار الحياة التي لا يلتقي فيها بعدان, فالليل يطارد النهار والقمر يسابق الشمس والشر لاهثا خلف الخير, الوحيد الذي نلتقي عنده طهارة القلوب وحب الآخرين, فهنا
جاء عن لسان البعض وهو أنا في آهاتي انكساراتي خيباتي فلو أردت أن استبدلها فبماذا ؟ ولأني أتحدث عن نفسي, فإنني الآن لا أشبه احد حتى نفسي, و سأعاقب نفسي ، لأني اختلست الوقت لأكتب سطوري بجنون واسرق من دفء أحاسيسي وأهديها لأمي ،ولأرتدي حُلةً من السكون سبغت سمائي بقراءتك الهادئة ،كهدوء مسائي وفنجان قهوتي.
لا يسعفني أن أتذكر إذا ما الليلُ يسألـُني عني ثمة وجوه وثمة أسماء وثمة كلمات لا تنسى, بكيت حتى الفجر وسهرت مع غيمة مطر ورشة عطر, إذا ما الليلُ يسألـُ عني أظنني أتنشقه عطر فرح, حيث أني وعدت القلب خيرا,ومابين صباحي ومسائي سأنبذ الوجع وافتح للصباح شباك الروح, معلنة الثورة ضد الوجع وسأطارده وأنفيه خارج قلبي وسأتعمد ترك عطري في كل ركن حيث لم ولن يفهمني أحد بأني حين تأبطت ذراع القدر وارتحلت معه ذات مساء لم تعد للعناوين أي معنى.
لا أعلم ما هو الجنون الذي أصابني عندما شرعت في كتابة السطور الأولى لهذا المقال، حيث أنني لم أفارق الكتابة إلا للنوم منذ يومين, كنت أحرم نفسي من نفسي كي أراها تكبر بين أضلاعي, وأنا ألج في هذا الجنون اللذيذ, لا مني ولا يشبهني,وكانت هذه كلمات الجنون رتقت بها نوافذ العقل, قبل أن يأتي المطر من حافات الأخيرة من الشتاء.
ليس لمقالي إهداء لأنه غائب في أنامل الأقدار كاللوح المثبت في عالم الغيب, وكان
هذا النص رحلة الروح دون دليل في عالم الجنون, فلا غرابة أن تقرأ نصا فاغري الأفواه دهشة, تحاصركم أسئلة حيرى أيها القراء مثل لماذا يبقي المريض سجين حجرته ودواءه ووجعه والذي يرافقه يحظى بشرف الجنون !? وأتساءل هل أنا مجنونة وإلى حين تجيبوني أرد قائلة: ليس هناك من يختار لك أفكارك ويشعر بدلا منك بمشاعرك, إنك تصنع عالمك وحتى جنونك, وهذا ما أعتبره سر تمردي على الحرف, للوصول إلى المبتغى رغم كل الحدود وعبارات الصدود.
سأتوقف هنا عن الكتابة أكثر, فيبدوا إني سأجن وليس لدي طوق عقل وقد أعود من جديد.
هنا توقف قلمي هنا أبى عن التعبير, وسأكمل كتابتي في كراسة المصابين بالجنون, وذلك لهيامي في عالم المجانين, ها أنا قد أكملت جنون مقالي.