حكم عقلك قبل التسوق

عندما نؤكد على دور المستهلك وحقه في التعرف على سلامة غذائه فذلك لأنه – أي المستهلك – هو نهاية مطاف “المنتج الغذائي” هو الذي يشتريه، وهو الذي يأكله، ورضاه مهم لأنه وراء نجاح مصنعي الغذاء وتطورهم.

بَدا الذي يعنينا هنا جميع المنتجات الغذائية المعبأة، ولا ينطبق على الأغذية الطازجة كالفواكه والخضراوات واللحوم والأسماك.

ما الذي يجذب الناس إلى مراكز التسوق ومحلات بيع الأغذية؟

لا شك أن كلمة السر السحرية حين نلمح شعار “سلعة مخفضة” نتفاعل مع وقع سحر هذه العبارة التي تخاطب غرائزنا وتفرض ذاتها على وعينا، هو هدف لكل المُسوِّقين، هدف تبرره الأرباح الطائلة التي تحققها منتجات غذائية قد أوشكت على الانتهاء، تلعب دوراً في جلب المستهلك لشراء ما لا يرغب شرائه، وأن يختار ما لا يأكله أو يريده!!

هذا النجاح يمثل تكتيكاً في استجلاء رغبات المستهلكين وفرض قرارات ضد قناعاتهم وتوجهاتهم.

نزلتُ لشراء بعض الحاجيات من إحدى الأسواق الكبيرة التي تزخر بآلاف المنتجات الغذائية، إلا أنني ركزت كالعادة على الأصناف المخفضة، أكثر من 80 عرضاً أسبوعياً، إغراء لا يقاوم، لفت نظري أن معظم الأصناف سوف تنتهي بعد أقل من شهرين.

إن الحديث عن التخفيضات يجذب كثيراً من الناس، ولا لوم لهم في ذلك لما للعروض المغرية من أهمية في حياتهم، فأوضاعهم المادية تحكم توجهاتهم، جعلتهم يتهافتون على شراء الأصناف المخفضة، ربما يحتار المتجول في أي مركز يتسوق من كثرة العروضات الأسبوعية، ومراكز التسوق أصبحت تستقطب اهتمام الزبون اللاهث وراء مغريات الأسعار.

يبدو أن أصحاب هذه المراكز قد أصيبوا بالجنون، فلا يكاد أسبوع يمرّ دون أن تصدر منهم قائمة بعشرات الأصناف الغذائية، أغلبها قد شارف على الانتهاء، وبالتأكيد تشكل هذه العروض مادة دسمة لرواد تلك الأماكن، هم يبيعون منتجاتهم دون إعلام المستهلك بقرب انتهاء فترة الصلاحية.

في البدء أرى لزاماً أن أشير إلى مفهوم صلاحية المنتج الغذائي والذي يمس صحة المستهلك قبل طرح الموضوع أمام البحث والمناقشة من مطلق إثراء معارف المستهلك وفي كيفية اختيار غذائه الصحي.

يقصد بتاريخ الصلاحية التاريخ الذي بعده يجب عدم شراء أو تناول الغذاء، ولا يعني بالضرورة أن الغذاء أصبح فاسدًا ومضرًا للإنسان، لكن غالبًا يكون الغذاء بعد هذه الفترة قد فقد بعضًا من خواصه الطبيعية أو الكيميائية مثل اللون أو النكهة وأصبح لا يتمتع بالمواصفات المطلوبة لهذا النوع من الغذاء.

ومن المشاكل في منطقتنا الحارة أن تخزين الغذاء قد يكون غير صحيح كأن يوضع الغذاء في مكان دافئ أو معرض للشمس أو للرطوبة وبالتالي يصبح بعدها غير مقبول للمستهلك لما يعتريه من تغير في خصائصه الحسية أو الكيميائية أو قيمته الغذائية أو خصائصه الوظيفية، وتجعله غير صالح للاستهلاك الآدمي قبل تاريخ صلاحيته.

ويفضل أن تشتري الغذاء قبل فترة طويلة نسبياً من انتهاء الصلاحية (شهرين فأكثر)، أما تاريخ الإنتاج فيقصد به التاريخ الذي تم تصنيع وتغليف الغذاء فيه.

ويهمل بعض المستهلكين قراءة هذا التاريخ، وهو مهم لمعرفة المدة التي بقي فيها المنتج في السوق وكلما كانت المدة طويلة والتخزين سيئاً أصبح الاحتمال أكبر لأن يكون هذا الغذاء تالفاً.

إن كيفية اختيارنا للأطعمة من مراكز التسوق ومحلات بيع الأغذية يعتمد على عدة خصائص من منها:
– طبيعة المنتج ” طازج أم مصنع” ومحتواه من الرطوبة، ومكوناته الأخرى كالبروتينات والدهون والفيتامينات.
– طريقة التعبئة ونوعية العبوات “سائب أو معبأ”.
– ظروف التخزين والنقل والتداول.

هذه الخصائص قد تسرع من فساد الغذاء، فمثلاً بعض الأغذية تحتوي على دهون أو سكريات أو أملاح بنسبة عالية، هذه الأغذية تحتاج إلى ظروف تخزين حسب محتواه من العناصر الغذائية، فالغذاء عالي الدهون يكون عرضة للتزرنخ أو الأكسدة في حالة حفظه في ظروف حارة.

بسبب ظروف التخزين السيئة جعلت المنتجات الغذائية ذات حياة قصيرة سرعان ما تفسد قبل انتهاء فترة صلاحيتها.

هل هذه المراكز تملك مخازن مكيفة الهواء كما تملك شاحنات مكيفة الهواء؟!

إذا كنت تميل لشراء الأطعمة المخفضة التي شارفت على الانتهاء، فقد يستلزم منك الحذر من شراء الأغذية سريعة الفساد لأنها قد تجلب الخطر وتزيد احتمالات الإصابة بالأمراض، اقرأ البطاقة التعريفية قبل شراء المنتج الغذائي لتفادي الأصناف التي لا تستطيع استهلاكها قبل انتهاء فترة صلاحيتها.

اليوم يمكن تلمس حقيقة التأثيرات السلبية من جرَّاء تسويق وترويج المنتج الغذائي الذي شارف على انتهاء فترة صلاحيته، حيث تلجأ مراكز التسوق ومحلات بيع الأغذية في جذب المستهلكين إلى أسواقهم بشتى الوسائل والسلوكيات التجارية، عن طريق التعرف على الرغبات التي تخالج النفوس وتسيطر عليها، فاستخدموا وسائل للجاذبية مثل العروضات الأسبوعية المغرية للتخلص من الكميات المكدسة في مخازنهم، هم يدركون جيداً أن كثرت المغريات والخصومات والأسعار التي تتناسب مع مستوى الدخل، تحافظ على العميل أو الزبون.

وصار كثير منا وهو يشتري متطلباته من مراكز التسوق يحس بشيء من الخوف، ويشعر بهاجس يلازمه، فهو لا يدري بصلاحية ومأمونية الغذاء الذي يشتريه.

رغم أن هناك بعضاً من المستهلكين قد اتخذ قراره بأنه لا ضرر منظور من استخدام الأغذية التي شارفت على انتهاء فترة الصلاحية، والبعض الآخر ما زال في حيرة من أمره، إلا أن هناك شريحة من المستهلكين قد اختارت طريقاً ثالثاً، وهو الابتعاد عن تلك الأغذية بسبب عدم معرفتهم بظروف تخزينها.

هي بالطبع صالحة وبحالة ممتازة حتى نهاية صلاحيتها، إنما تناولها وإعطاؤها لأطفالنا بدون معرفة ظروف تخزينها فيه مخاطر صحية، فالموضوع ما زال يقلقنا.

إن عملية استغلالنا للعروضات المغرية وإغراق السوق بشعاراتها قد تكون خاطئة، فنشتري كميات كبيرة ولكن قد لا نحسن حفظها لظروف صحية لفترة طويلة، أو حتى ننسى استعمالها لأننا اشتريناها استغلالاً للسعر المغري وليس للحاجة إليها، ثم قد نفاجأ بهذه الأغذية بعد فترة وقد فسدت أو انتهت فترة الصلاحية، فعذراً للتنزيلات!

ما نعمله هو مجرد سحب العبوات من بين الرفوف ووضعها مباشرة في سلة التسوق، ولا نحاول حتى الاطلاع على صلاحيتها.

فعند شراء الأغذية من الأسواق قد نتعرض للخداع والتضليل تحت مغريات الأسعار الزهيدة والتخفيضات الكبيرة لعدة أسباب منها صلاحية هذه المنتجات، وربما تكدس كميات كبيرة في المستودعات، ومن باب الحرص وتخفيض الفاتورة الشرائية قد نأخذ منها أكثر من حاجاتنا، وبالتالي توضع في دواليب المطبخ ولمدة قد تزيد عن فترة صلاحيتها.

تكمن أهمية الضوابط الغذائية في وضع ضوابط السلامة والنوعية وكتابة المعلومات على بطاقات المواد الغذائية المعبأة، وعلى الجهات المعنية ضمان حماية المستهلك من الغش والبيانات المضللة، ومنها إلمام المستهلك بحالة المنتج قبل الشراء لاتخاذ القرار المستنير بشأن شرائه واستخدامه.

أطلقت الهيئة العامة للغذاء والدواء عبر موقعها الإلكتروني خدمة “طمني”، والتي تهدف إلى التعرف على المنتج الدوائي والغذائي وظروف التخزين، كما هو مسجل في موقع الهيئة.

ننصح أصحاب محلات الأغذية ومراكز التسوق بأن يتجنبوا عرض الأغذية التي شارفت على الانتهاء مع الأصناف الأخرى حفاظاً على سمعة المحل، لكون هذا الإجراء يرفع من ثقة المستهلك، ولا يقع في فخ الخداع والغش والتضليل، فتنبه المستهلك إلى حالة المنتج، وسوف يحظى بقبول واسع، كما يعطيه الخيار وتحديد الجودة، وإزالة التخمينات التي يقوم بها البعض لتسويق منتجاتهم.

مخاطر تسويق منتجات فاسدة فيها ضرر بصحة المستهلك ويلحق ضررها الباعة وتجارتهم وسمعتهم.

حتى يتسنى لنا أن نحافظ على صحتنا بأبسط السبل، صار لزاماً أن تبنى قواعد أساسية للتسوق وهضمها بشكل صحيح تتمثل في:
• اذهب إلى مراكز التسوق ذات السمعة الجيدة التي تقدم العروض المميزة والخيارات المتعددة.
• ينبغي قبل التسوق تقدير حاجتك، تذكر أنك سوف تدفع قيمة ما تشتريه.
• لا تجعل الأسعار هي التي تتحكم في رغباتك وتتخطى ذوقك، وألا تجعل غيرك يحدد لك ما هو الأنسب.
• فكر في مقادير أو كمية ما تشتريه دون زيادة، فشراء كميات كبيرة من الأغذية قد يعرضها للفساد.
• اختر أصنافاً تحتاجها دون أن تضر بصحتك وحالتك المادية.
• إن ذهابك لشراء الأطعمة يجعلك تميل إلى الأصناف المخفضة دون أن تكون بحاجة إليها، بعدها سيكون مصيرها سلة الزبالة.

لاحظنا أثناء تجوالنا داخل مراكز التسوق أن مرتاديها يضعون في عربات التسوق الأصناف المخفضة.

ولتلافي هذه الظاهرة، يجب على مراكز التسوق ومحلات بيع الأغذية تجنب أي نوع من التضليل والخداع بفرز الأصناف الغذائية التي شارفت على الانتهاء عن الأصناف العادية، وأن تخصص أماكن لتلك الأصناف لكي تضمن المصداقية.

كما يفضل وضع شعار أو علامة مميزة على واجهة العرض الرئيسة للمنتج الذي شارف على انتهاء صلاحيته، يمكن للمستهلك رؤيتها، وهذا ما تم ملاحظته وتطبيقه في أحد مراكز التسوق المشهورة في منطقتنا.

أخيراً، الرهان على وعي المستهلك، وصرامة الرقابة، وستوصلنا إلى الحد من تجاوزات المستهترين، وستزيد بالتالي من الخيارات المفيدة التي تصب في صالح صحتنا.

منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات.


error: المحتوي محمي