نريد أن نتنفس..

بصمت وهدوء تتسلل الجائحة مرة ثانية إلى وطننا ودورنا رافعة معدل الانخفاض الذي تفاءلنا به لأسابيع وما برحت أن بدأت في الازدياد من جديد.

كل ذلك ونحن في غفلة وعدم اكتراث، بل واطمئنان عجيب جعلنا نتخلى بشكل لافت عن الاحترازات وعدنا للمصافحة والعناق طوعاً أو كرهاً لأن هناك من يرغمك بفجاجة على ذلك، بل يتخذ منك موقفاً سلبياً إن لم تفعل، وعادت إقامة المناسبات على اختلافها دون حصر الأعداد ولا تباعد الأجساد.

الداء لم يغادر، بل هو يتحور ويناور ويثير المخاطر، وها هو يدق أبواب الجيران من الدول والبلدان ولا نحسب أننا سنكون في مأمن إذا ما استمرينا في سلوكياتنا الخاطئة ومخالفة الأنظمة والتعليمات، من أن يغزونا هذا الداء القاتل بشكل أشرس، وهو الذي خطف من بيننا جملة من الأهل والاحبة والجيران والأصحاب وما زال، وربما لن يكتفي بذلك إذا لم نقِ أنفسنا وأهلينا منه والله تعالى هو الساتر والحفيظ.

أقصى الجهود بذلت ولا تزال تبذل من لدن الدولة ممثلة في قيادتها ومختلف وزاراتها وقطاعاتها وهيئاتها وبكفاءة عالية حُسبت لها على المستوى العالمي، كل ذلك من أجل سلامة الوطن والمواطن، وهو ما لا يواربه شك، والشواهد على ذلك واضحة ولا تحتاج لدليل.

فلقد رأينا وعايشنا خلال سنة وتزيد كيف صبت الجهود وسخرت الإمكانيات وتغلب الوطن أو يكاد على هذا الداء في الوقت الذي تعاني منه الكثير من الدول وما زالت ولم تستطع التحكم والسيطرة على هذا الوباء الذي كتم على أنفاس العباد.

نريد أن نتنفس، فلقد اختنقنا وطفح بنا الكيل، وتعطلت حياتنا ولا تزال، ولا نريد أن نضحك على أنفسنا ليظهر البعض ويقول إنها لعبة وانكشفت وكأننا قرأنا البخت أو نزل علينا وحي من السماء يقول لنا إن ما يجري هو عرض مسرحي، وإن المرضى والموتى ممثلون يؤدون أدوار العناء والموت.

نريد أن نتنفس، ومن يشك في إصابته بالمرض فليفصح ويراجع، وقاية لنفسه ولغيره، لا نريد أن نعود للإغلاق مرة أجرى، لا تاماً ولا جزئياً، فيكفينا ما نحن فيه، وقد خسرنا وفقدنا الكثير، وهناك من يتمنى الموت والعياذ بالله، وهو أصلاً لم يصب، لكنه لم يعد يطيق أن يعيش متوجساً خائفاً طوال الوقت، وهو ينتظر أملاً لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولكننا نحن بني البشر الضعفاء لم نرى بصيص الضوء سوى في اللقاحات التي بدأت في الظهور، ولكن وللأسف ورغم الثقة العالمية التي أعطيت لها من مختلف القطاعات ذات الشأن لم يبلغ عدد الذين بادروا لأخذ اللقاح الذي اعتمدته الدولة حتى نصف مليون إلى لحظة كتابة هذه الأسطر.

سبحان الله نخشى الدواء ولا نخاف من الداء، والحل ما هو يا ترى؟ لا ندري.

هل هناك من هو على استعداد لأن يسجن نفسه في بيته مرة أخرى علاوة على الحالة البائسة التي نعيشها أصلاً؟

من يراقب الأطفال الصغار لا يستبشر خيراً وهم ما زالوا يعيشون الصدمة ولا نظن إلا أنهم يحتاجون لتأهيل للانفتاح على الحياة لأن طفلاً ولد مع بداية المرض يعني أنه لم يرَ غير أمه وأبيه وبعض من حوله، ويخاف من غيرهم بل يخاف حتى من الخروج خارج المنزل، فهو إذاً يفتقد أموراً كثيرة عاين بعضنا بعضها.

كذلك كبار السن والذين تيبست مفاصلهم من طول أوقات الجلوس والنوم والابتعاد عن الناس والأهل والأصدقاء، مما جعلهم في حالة اكتئاب دائم وأمراض نفسية وعضوية متتالية، يضاف لذلك المرضى المزمنون والذين يخشون الذهاب للمستشفيات للمراجعة الدورية أو التأهيل البدني، فضلاً عن مختلف المرضى الذين يفضلون الاستشفاء في منازلهم على الذهاب للمستشفيات.

كذلك حالة الأوضاع الدراسية والتي لا يمكن أن تستمر هكذا فالتحصيل ليس كما ينبغي أن يكون، ولربما يؤثر هذا التحصيل الفعلي إن طال أمده على مستقبل الناشئة والشباب، وربما يؤثر على قبول المستويات الأعلى أو في الجامعات أو حتى في الأعمال بالنسبة لخريجي الجامعات، هذا بافتراض التفاؤل قبولهم، ولربما يوصمون أنهم من خريجي سنوات الجائحة فتكون عليهم سمة عار وبلاء، والقائمة تطول.

أخيراً وكما قال مسؤولو الصحة إن الازدياد هو بسبب عدم اتباع التعليمات والمحاذير وهم لا يريدون العودة إلى الإغلاق ولن يعودوا إن شاء الله، فدعونا نساعدهم ونلتزم بما يحمينا ويحمي البلاد بدل أن تفرض على الجميع الخيارات الصعبة، فإما الغرامات الثقيلة وإما الإغلاق التام.



error: المحتوي محمي