فإن طردتني..

من فوق مئذنة الحياة، وعلى بروج الذاكرين، قد ناح طير ٌيعزفُ الناي الحزين، ودموعهُ تترى.. فما لشجوه هذا؟ وما ذاك الأنين؟

بسم الله الذي خلق الخلق لعبادته، والحمد له أن جعل الجنة جائزته، والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعترته، محمد وآله خير الورى وصفيته.

كانت لي دارٌ أؤمها كلما جنّ علي الليل، لأمضي ثلثه في ضيافة أهلها الوادعين، عائلة قد احتضنتها روح الوحدة وألف بينهم بنور يربطهم ويشدهم.
شعارهم الهدوء والسكينة، فاعتدت على زيارتها.

لا تفشي لك سراً ولا تمل منك الأنين ولا الشكوى.

هناك كنا نتسامر، وكلما طال المكوث سرت رعشة في النفوس، تتبعها خفة في الروح والبدنِ، وعند شروق الشمس يأتي وداعنا.

لعب الشيطان لعبته يوماً، حيث وجد الباب مفتوحاً، فحال بيني وبينها بوشاية، فغشي بصري عن رؤية أنوارها بصب النعاس تارة، وبحرماني من لقياها بحاجة الجسد للراحة أخرى، وشل قدرتي عن الوصول إليها بالتخويف والتهويل من السقام والآلام. فأضعت الطريق.

أخذني الشوق إليها والحنين، وقطعني فراقها حسرةً وأنينا.

فأُمني نفسي بلقائها حين النهار، ليقف لي سداً وحاجزاً حيث الظلام.

حتى متى؟

أعددت العدة، وحملت سلاح {فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} لأقاوم من هدّ أركان داري {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}.
فكانت المعركة ضارية، والجروح التي خلفتها قاسية دامية، واحتد الصراع وبلغت حدته الذروة، واعتلى غبار {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}.

حينها تركت العنان للدموع تركع وتسجد، فكبرت في محرابها تؤمهم دمعة حزنٍ عميق، وجموع المأمومين قد اصطفت خلفها في خشوع وتذلل، حيث محراب العين مُهيئاً لإقامة الصلاة، وطال الدعاء، واستمر الخضوع، حتى خرجت الحشود بعد أن أدت فريضتها.

حينها طرقت باب الدار راجياً واجفا، بقلب يعتصره الألم ونفس نازفة؛ لئن طردتني من بابك فمن ألوذ؟!


error: المحتوي محمي