في حوارٍ بدا صاخبا بعض الشيء، أتفق من كان في مجلسنا على أنَّ الحرية حتى المطلقة منها في إطار القانون هي أفضل من المنع والتقييد، هذا لأنَّ الحرية تُظهر الجانب الحقيقي من مبادئ الإنسان وأفكاره، بعكس الحرية المكبلة التي تجعل من الناس نسخا متشابهة، وحالما يعيش الإنسان ضمن هذا النمط من القيود ويظن أنَّ كثيرين هم من يشابهوه، فإنَّ الصدف تقوده أحيانا لمعرفة الهوة الشاسعة بينه وبينهم، كل ذلك ما كان ليكون لولا كبلت الحرية لتجعل الجميع في نسقٍ واحد رغم اختلافهم وتعدد أهوائهم وأفكارهم.
أعتقد أنَّ شخصية الإنسان تتشكل في الغالب في مراحل عمره المبكرة، في هذه المرحلة يمكن صناعة مقدمات التفكير ومعالم الشخصية المستقبلية، كما ويمكن استمالته لأمور كثيرة بعضها يصنف ضمن دائرة المحظورات الأخلاقية التي تدفعه غرائزه الفطرية إليها، عند هذه النقطة تبدأ الحرية غير المقيدة بضوابط معينة، التي توفر كل شيء في المجتمع في التحول التدريجي إلى نمط من الديكتاتورية المطلقة، يعني ذلك أنَّ الشباب والشابات يجدون أنفسهم بعد فترة من الحياة في هذه الأجواء مندفعين بغير إرادتهم إلى أنماط سلوكية، تفرضها عليهم قسرا تلك الحرية، وحالما يتنبه الإنسان إلى الكثير من الأخطاء التي ارتكبها في مراحل عمره المبكرة، يُدرك أنَّ قطار العمر السريع قد أوصله إلى سن متقدمة دون أن يحقق لشخصيته النمط الأخلاقي الذي تمناه لها.
إذن فمحصلة القول، إنَّ الشاب الذي يعيش أجواء من الحرية المطلقة لا يستطيع في الغالب مقاومة التيار الأهوائي الكبير، الذي يدفعه إلى الانجراف في مسالك الانحراف، حينها ستكون هذه الحرية شكلا من أشكال الديكتاتورية ووبالا على المجتمع.
في تصوري، أنَّ كيمياء شخصية الإنسان هي خليط من المقدمات التي اكتسبها في الغالب في فترة الشباب المبكرة، هكذا كلما تهيأت للإنسان أجواء الانفتاح المطلق، أمكن استدراجه إلى مزالق فكرية وأخلاقية تبقى معه في الغالب لسنوات طويلة من عمره، إذن فحالما «يُطَبِّل» البعض إلى الحرية المطلقة على أنَّها نعمة عظيمة، ينبغي أن يتأكدوا أنَّ نسبة ليست قليلة من الشباب سيجرفهم التيار القوي رغما عنهم لعواقب وخيمة لا يمكن تصورها وعلى مدى غير بعيد.
أما جملة «اذا صنعت في ابنك الأخلاق الفاضلة فلن يجرفه تيار الحرية» فهي -كما أراها- جملة غير مفيدة، هذا لأنَّ نسبة قليلة من الناس هم من يملكون القدرة على صناعة تلك المناعة في أبنائهم، بحيث تجعلهم ملائكة في غابة الحرية ومزالقها.
المصدر: آراء سعودية