لنعش دون خلاف رغم الاختلاف

كنت لا أدري وأنا أستمع لأحد أقاربي منذ أيام لموقف موجع حدث له! أن الإنسانية تسكن قلبي وأنني أدخر سلامًا وعذرًا وأبقي دموعًا محبوسة داخلي، ولا أدري أيضًا كم سيخطئ قلمي هنا! كان هذا القريب فرحًا برغبة ابنه بالزواج واختياره إحدى البنات، وعندما التقوا بعائلتها لأول مرة بشأن الخطبة التقليدية، فما كان من والد البنت إلا أن يكسر قلب والد المتقدم قائلًا: كيف لك أن تتجرأ وتطلب ابنتنا وتخدعنا بوالدك المعاق!

يا الله أي قبح هذا؟! وماذا بعد؟! فأخبرني ذلك القريب كم يحب السكوت والصمت، وهو مازال يعيش على إيقاع جراحه الأليمة ولعله سيعيش عليها طويلًا! أيبقى بعد هذا الموقف إحساس واحترام لضعف وآدمية الآخر؟!
ماذا علي أن أرد لأسحب من داخل قريبي الانكسار؟! وفعلًا أصبحت في هذا الزمن تتعامل الحيوانات بالإنسانية ولا تؤذي بعضها! فكيف انعدمت الرحمة من قلوب بعض البشر الشرسين المفترسين حتى النخاع؟! ربما من الصعب إيقاف مثل هذا الدمار الأخلاقي عند البعض.

من منّا لا يعرف الناس ذوي الإعاقات أصحاب الهمم؟ هؤلاء بالتأكيد معهم تبدأ الحياة، بل هم البلسم الذي إن وُضِع على جرح أصبح الجرح راضيًا شاكرًا بشفائه. هذه الفئة من البشر لا طعم لهم ولا لون ولا حول ولا قوة، هؤلاء إحساس يدخلون الأنفاس يُشبعون أنفسهم ليصبحوا أسعد الخلق بمن حولهم. هم أشخاص لا يقدرون بثمن، يصنعون الرضا والصبر ويحملون كل الحواس في آنٍ واحد.

وهنا الرد لمن يستحق!
ليس هناك مسائل ومشاكل مبتذلة! بل هناك أسلوب طرح مبتذل، وفيه معالجة معيبة ومشينة! نحن بإمكاننا الحوار معًا حيث المناخ المجتمعي الذي نعيشه، ضمن حوار ودي مريح بالحديث عن أي شيء، طالما نحترم ضعف الناس واختلافهم عنا! ولا ينبغي أن نستخف بالضعيف أو نكفّر ونغلّط المخطئ أو نتنمر على الأشخاص المختلفين عنا دون إرادتهم!

ليس عيبًا أن نكشف ونعترف بالحقيقة والواقع وإن كان مرًا وموجعًا! ولكن العيب أن نتحول إلى نعامات، وندفن رؤوسنا في الرمل، ونتوارى ونختبئ وراء أصابعنا.
ولكن! إن الاختلاف سُنة كونية، سنَّها الله تعالى لعباده لأخذ العبرة والعظة، لقد خلقنا الله في الحياة مختلفين عن بعضنا أيًا كان الاختلاف! حيث إن هناك اختلافات عديدة على مد العين والنظر! ولكوننا مختلفين هذا بيد رب العالمين! وللأسف المجتمع هو من يجعل المختلف يدفع الثمن كبيرًا! ويبقى المبدأ الأساس وهو محاولة تعزيز حضور الحق الإنساني في الشخص المعاق.

والسؤال الصعب جدًا هنا؛ عندما يمرض الإنسان يتعالج ويمكن أن يتعافى، ولكن المجتمع المريض من يشخص مرضه ومن يعالجه؟! دعونا نعيش بسلام دون خلاف رغم الاختلاف.

طوبى لمن يبقي القلوب حية، شكرًا لكل من زرع بسمة في القلوب الجريحة.



error: المحتوي محمي