صعود في عالمِ المشاعر

أراكِ في زحمةِ الأيام بَعثَرتي
شيءٌ من الطَّيفِ ألقى لمسةَ السِّحْرِ

تصعدُ الأناملُ مع عالمِ المشاعرِ عبر تسبيح يترنَّم مع النبض بالقلم، وإدراك لوجوده تارةً تُلوِّحُهُ الكتابة بالواقع وأخرى تمتد به إلى عالم الخيال. ينبهرُ القلمُ حين يلامسها بوقع الحرف الذي يُكتب من واقع الضمير الحي، فتنقله الروح إلى سطور بشكلٍ مثير جذاب.

ومن التصوير الذي يدعم اللحظة الشاعرة ليرسمَ فيها الكاتبُ عمقَ تصوره بريشته، ويسكبه في قالب سحري ويتغنى بها؛ فالكاتب هو الذي يستشعر عمق الخيال بملامسة النبض، وهو الهدف الأسمى والأنقى في عالم الكتابة.

ومن مصاديق ذلك، عمق التصور بين الغياب ولحظات المطر المنهمرة على جسد يحلم بالوصول إلى قمة السعادة، من شرفتِهِ المثيرة التي لا تتجدد إلا بالسماء المنسكبة في ميزان لحظاتها الأخرى، ففي الماء والمطر حكايةُ عشقٍ لا تنتهي، وكأن هالةً من الحنين تتكور عندما يمدها الغياب بالأمل.

هذا التصوير يأخذ القارئ إلى انسكاب روحه، فيداعب فيها لحظة الانتشاء، ويحلق معها ومع هذا الوجود اللامتناهي من عالم المشاعر، فيرسم لوحةً فنيةً فريدةً بطابع الحس والشعور، وينمِّي القالب المتميز وهو عنصر الحياة الذي يتدفق بتدفق الماء الباقي على ذاك الجسد المتَعطش، لينصهر فيه أكثر وأكثر، فيمسحُ ما بهِ من ألم.

إنها الكلمات وحدها التي تلغي جمود الفكر وصلابة الموقف، وتجعله يمضي كسلسبيلٍ جارٍ على صفحة الأيام، فلا يبقى زبدٌ مثقلٌ على الروح المنهكة؛ لأنَّها في نهاية المطاف تخترق كل المسافات العَتِمة لتحولها إلى نورٍ يدل صاحبه عليه.
وحين نتساءل: من الذي يدفع الأنامل للكتابة؟
هو ذاك الحسُّ الممتد من أقصى الشعور إلى العالم الخارجي، لتوثيق اللحظة التي تجمح فيها النفس لتخرج من طياتها، فترى نور هذا الفضاء الشاسع، وتُلهم الكاتب فكرةً أو تصورًا من هنا وهناك، أو حقيقة من أرض الواقع عبر مشاعر مختزلة تنبعث من الدَّاخل، لتُكتب بالأنامل متناغمة مع الحس في لحظاتٍ أشبه ما تكون فيها بفوهة بركان جارف، تريد الخروج والانطلاق إلى عالمها الرَّحب.

رسائلٌ تصلُ إليكْ..
عندما تصل الرسالة إلى فهم القارئ، فتأخذه ليبحر في طياتها ويستمتع بها كما في قراءة رواية، أو التناغم مع بيت شعري، أو لوحة فنية، وصلة موسيقية تمد العقل والباطن، فينشدُّ لها، ويندمج الفكر والعقل والروح معها.

هنا تتضح الرؤية الحقيقية للكتابة بين الأنامل وبين الحس والمشاعر، فتتكون صورة في غاية الإبداع والجمال، يستشفها المتلقي لها باستمتاع. هنا يكون الكاتب قد وصلَ إلى قمة الهدف.


error: المحتوي محمي