في مقالي هذا سوف أتطرق إلى قضية اجتماعية أقف إجلالاً واحتراماً فيها لكل خطباء المنبر الحسيني الكرام، وهي قضية إطالة الخطيب في قراءة الفاتحة (العزاء)، حيث قد يكون الخوض فيها أشبه بالمحرمات ولا يجوز إبداء رأي في هذه القضية وتغيير عادات وتقاليد بالية عفا عليها الزمن حتى وإن كانت إلى الأفضل.
تعالوا أيها الخطباء الحسينيون الكرام نواكب التغيير إلى الأفضل ونضع حلولًا لظاهرة الإطالة في وقت القراءة الحسينية في الفواتح عند بعض الخطباء، ونبدأ بالتغيير وتقليله بحيث لا يتجاوز وقت قراءة الخطيب في الأيام الثلاثة للعزاء الـ 20 دقيقة يقضيها في رثاء الإمام الحسين (ع) من على المنبر الحسيني الذي يعتليه لقراءة الفاتحة.
العالم يتحرك بسرعة ودائم التغيير وليس هناك شيء باقٍ كما هو، فكيف نتعامل مع تغيرات الحياة؟ يا ترى هل نتقبلها بصدر رحب أم نرفضها ويصبح الكثير من الناس متضايقين ومتململين عندما يعتلي الخطيب المنبر الحسيني ويأخذ وقتاً طويلاً يتحدث أمام جمع من الناس جاؤوا من كل فج عميق لتقديم التعازي لعائلةً أتعبها فقد عزيز لها، فهل نزيد هذا التعب بالإطالة في وقت القراءة؟ أم ينبغي على الخطباء تقصير الوقت وعدم الإطالة؟
أهل العزاء في حاجة للتعاطف والدعم النفسي من الناس في المجتمع ومواساتهم في مصابهم، كما أنهم في حاجة للراحة من تعب المصيبة أيضاً، ففيهم كبار السنّ والمرضى ومثله في الناس المعزين، لذلك نحتاج إلى تغيير ثقافة التعزية في مجتمعنا وذلك بالحضور إلى أماكن العزاء والاستماع إلى قراءة الخطيب الذي ينبغي عليه عدم الإطالة في الخطابة لأكثر من 20 دقيقة، وعلى المعزين اقتصار العزاء بعد انتهاء الخطيب بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم على روح المتوفى وبعدها المرور من أمام أصحاب المصيبة وتعزيتهم فقط من دون المصافحة أو التقبيل ثم الخروج من المجلس.
هناك للأسف قصص واقعة في مجتمعنا ومؤلمة حقيقةً ينعصر فيها الفقير بسبب المبالغ التي تُطلب من ذوي المتوفى لدفعها للملا والملاية والتي هي ربما مبالغ فيها، حيث يدفع الواقع الذي يعيشه الناس في المجتمع إلى الامتعاض من طلب رجل الدين “الخطيب الحسيني” أو “الخطيبة الحسينية” مبلغاً أو أجراً مرتفعاً نظير قراءته أو قراءتها لمراسيم الفاتحة عندما يتوفى أحد أفراد المجتمع من ذكر أو أنثى، والتي تستمر لمدة ثلاثة أيام للرجال وخمسة أو سبعة أيام للنساء، يحضر فيها الخطيب أو الخطيبة يومياً لفترتين صباحية ومسائية للخطابة لعدة دقائق.
يحصل الخطيب (المُلا) على أجر مقابل قراءته لمدة ثلاثة أيام لا يقل عن ٢٠٠٠ ريال، وهذا أجر مرتفع لكنه قد يكون مقبولًا بين مختلف طبقات المجتمع، لكن المصيبة الكبرى الأدهى والأمر تكون عند الخطيبة (الملاية) التي لا تتنازل عن أجر أقل من ٥٠٠٠ ريال وقد تزيد لكنها لا تقل، يضاف لها مبلغ ٥٠٠ ريال أجرة السائق.!! وهنا أتساءل: لماذا هذا المبلغ يطلب من فقير رحل من هذه الدنيا؟ وربما جمع له من أهله وذويه مصاريف فاتحته، وليعلم من يخدم الإمام الحسين (ع) ليتهم يعلمون أن خدمته لا تقدر بثمن لكنها ليست للتجارة.
من هنا يجب علينا أن نتعامل مع التغيرات بمرونة، وأن نجعل نظرتنا للحياة مثل جهاز القلب الذي يرسم نبضاته، فالمنحنى الخاص بالجهاز إذا ظل يعلو ويهبط فهذا يدل على أنك حي، وأما إذا ثبت على خط واحد فهذا دليل على توقف القلب عن العمل ومنه نهاية الحياة، فإطالة الوقت في القراءة من بعض الخطباء الكرام أثناء العزاء في حال الوفاة لأحد المؤمنين تحتاج إلى تغيير، وكذلك إعادة النظر في الأجر المقدم لهم وبالخصوص “الملاية” وجعله معقولاً لجميع طبقات المجتمع، وأن لا يربطوا عملهم هذا مع خدمة الإمام الحسين (ع)، فخدمته لا تقارن بثمن يدفع لها.
وفي الختام، على الخطباء والخطيبات الذين يعتلون المنبر الحسيني في الفواتح أن ينظروا إلى أحوال الناس في المجتمع، فهناك المقتدر وهناك الفقير الذي لا يملك مالاً ولا طعاماً لعياله، ولا شيء ثابت في هذه الحياة ولا يمكن لأحد الهروب من متغيراتها، فترى الأموات من الناس يرحلون منها تاركين أحباءهم خلفهم يعانون مرارة الفقدان، وعلينا أن لا نحزن أو نتململ من التغيير فهذه ليست نهاية الحياة، فكل شيء قابل لذلك حتى عاداتنا المجتمعية قابلة للتغيير إلى الأفضل إذا أردنا ذلك، والله بما تعملون بصير.