المتفائلون

بطبيعة الحال عندما تتحقق متطلبات الفرد ينتابه شعورٌ بالتفاؤل والأمل، ويقبل على الحياة بهمة ومثابرة ويحقق توافقه الذاتي، أما إذا فشل فإنه يشعر بخيبة الأمل وينعكس ذلك عليه سلبًا بنظرة تشاؤمية أمام شتى المواقف التي يسعى دومًا لتحقيقها.

والتفاؤل فن تصنعه النفوس الواثقة بالله – سبحانه وتعالى- وهو ما يدفع الإنسان لتخطي الصعاب والمحن، ويشجعه للإقدام على المثابرة والعمل، ويكسبه راحة النفس وطمأنينة القلب.

والمتفائلون يفترض أنهم لا يبنون من مصائبهم سجنًا ينكفئون فيه على أنفسهم؛ لكنهم يتطلعون للفرج الذي يسبق كل ضيق، ولليسر الذي يتبع كل عسر، بل يجب علينا التفاؤل والثقة بوعد الله تعالى، وأن نحارب اليأس والتشاؤم بقدر الإمكان، وأن نسعى جاهدين لصنع الحياة وزرع الأمل مهما كانت الظروف والعقبات، كما أن من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن الصبر على نوائب الدهر وتقلباته وأحزانه؛ لأن هذه العقبات ستزول حتمًا مصداقًا لقوله تبارك وتعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}. {سورة الشرح الآية ٥}.

نحن معشر البشر معرضون في مسيرة حياتنا مواجهة عدة صعوبات وعوائق من شأنها أن تعرقل طريق تقدمنا وتحول دون الوصول إلى الأهداف التي نخطط للوصول إليها من خلال ما تمليه علينا رغباتنا وميولنا واستعدادنا الفطري.

ويُعد التفاؤل هو النور الذي يقود الفرد نحو طريق النجاح والتألق بين ضبابية وعتمة ما قد يعتريه من مشكلات وهموم، فالتفاؤل هو الذي يمنح الشخص الطاقة الإيجابية لتجاوز عقباته وتحقيق النجاح للوصول إلى أهدافه، إذ يجعله ينظر للحياة بنظرة أكثر إيجابية وجمالا بعيدًا عن التفكير السلبي والمظلم في نظرته لواقعه المعاش.

والتفاؤل هو كالمصباح يضيء لنا طريقنا، ويساعدنا نحو حياة ملؤها المحبة والوئام ويجعلنا نحقق أحلامنا وآمالنا، وأن ننظر للحياة بعيون جميلة عاشقة وحالمة ومتفائلة بما هو أفضل لحياة كريمة هانئة كلها قناعة ورضا بقضاء الله وقدره، بعيدة كل البعد عن اليأس والتشاؤم والإحباط.

وهناك علاقة وثيقة بين التفاؤل والأمل وهي – لا شك – علاقة أزلية مترابطة منذ زمن بعيد، فالتفاؤل شرط للأمل، فنحن نتفاءل لأن الأمل موجود، فإذا غاب الأمل أصبح التفاؤل لا فائدة منه، والفرق بين الأمل والتفاؤل هو خيط دقيق! إذ كثيرًا ما يُخلط بين المفهومين، فالأمل هو شعور إيجابي بأن ما سيقدم علينا هو الأفضل بإذن الله، ومن هنا يأتي التفاؤل بأن الأمل لا يزال موجودًا، فإذا كان أملنا ضعيفًا كان التفاؤل أضعف، وإن كان الأمل كبيرًا كان التفاؤل كبيرًا جدًّا بطبيعة الحال.

إن مشاعر التفاؤل التي تملأ قلب الفرد وعقله تمنحهُ شعورًا دائمًا ومستمرًا بالسعادة والبهجة والفرح، فالإنسان المتفائل لا يكترث كثيرًا بسلبيات الحياة وصعوباتها، ولا يجعلها تؤثر على استمتاعِه بالملذات المباحة، حيث يدفعهُ تفاؤله إلى العمل بجهد وإخلاص، وإلى استغلال أوقات فراغه لممارسة النشاطات التي تجعله يشعر بالسعادة والرضا الذاتي بشكل كبير سواء مع عائلتهِ أو مع أصدقائهِ.
إذًا نستطيع القول جازمين إن التفاؤل يعني الإيمان بالله – سبحانه وتعالى- وبقضائهِ وقدرهِ، وهو السلاح الأساسي الذي يمارسه الإنسان عندما يصاب بأي نوع من التراجع النفسي أو المعنوي، أو التراجع على مختلف الأصعدة في حياتنا اليومية.

ومما تقدم يتضح أنه لا يتناسب وصف المؤمنين إلا أن يكونوا صابرين محتسبين أقوياء لا يزعزعهم طارئٌ ولا يضعفهم موقف، شامخين صامدين قادرين على الصمود وتحمل المشاق مستمدين ومستلهمين تلك القوة والتفاؤل من قوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. [الطلاق الآية 1].

إذًا من أكبر أسباب التفاؤل النظر إلى عطاء الله عز وجل بعين الرضا والقبول. قال تعالى: { ۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.سورة الإسراء الآية (70).

فالقرآن الكريم يدعو الإنسان إلى الإقبال على الحياة الدنيا بتفاؤل كبير للتمتع بطيباتها والاستفادة من نعيمها وخيراتها على أن يقف قبل ذلك على حقيقة هويتها وطبيعتها الخاضعة للتشريع السماوي من قبل الخالق – جل في علاه – من منطلق لا ضرر ولا ضرار بمعنى نعم للتفاؤل والأخذ بأسبابه والإقدام عليه، وأن نحصل على كل ما هو موافق للعقل والمنطق والخلق العظيم، وفي ذات الوقت مراعاة ذلك من خلال التوازن ومراقبة سلوكنا بأن لا نحيد عن منطق القيم وتعاليم الشارع المقدس.



error: المحتوي محمي