سافرت كاميرته إلى خارج حدود خارطة الوطن، تتفرس في تقاسيم الوجوه، تبحث عن انفعال مختلف؛ ترصد ابتسامة طفل، أو تعب كهل، أو نظرة رضا في وجه عجوز، وحين يعود الفوتوغرافي عبد الإله حسن آل مطر إلى موطنه، تكون ذاكرة تلك الكاميرا مصابة بالتخمة اللذيذة، تلك التخمة التي تنقل تاريخ حضارة ما أو دولة بعينها في انعكاس ملامح أبنائها.
رغبته في الخروج عن المألوف والبحث عن بدائل وإكساب التصوير طابع المتعة والمغامرة، كان الفصل الأول في حكايته مع تصوير السفر، فتصوير حياة الناس في السفر كان محط اهتمامه، تتجول كاميراته بين الوجوه المختلفة، تحاول التقاط لحظات الماثلين أمامها وهم يمارسون شؤون حياتهم اليومية الطبيعية.
يحكي لـ«القطيف اليوم»: “كونهم من ثقافات وبيئات مختلفة عمّا اعتادت عليه أعيننا، فإن ذلك ممتع جدًا للمصور، وعامل مهم لشد انتباه المتلقي، وقد كانت الهند أولى محطاتي، وبعدها كانت الانطلاقة لتأسيس فريق (حياة)، الذي يعنى بتنظيم رحلات التصوير”.
من تاروت إلى قرغيزستان
قطع ابن تاروت بعدسته مسافات تطول، يستغرق بعضها يومًا ونصف اليوم إرضاءً لشغفه، فتجول بين الهند وجورجيا والصين وقرغيزستان وفيتنام، إلا أن خط مسير سفره يخلو من الدول العربية ما عدا عمان ومصر، وجميع تلك الرحلات كانت برفقة فريق “حياة”، كما أنه كرر الزيارة لأكثر من مرة في بعض البلدان.
تأريخ صعب
حين تحاول التقليب في مذكراته لتؤرّخ علاقته بالتصوير، ستجد صعوبة في ذلك، يقول: “من الصعوبة تحديد البداية بتاريخ معين، أتصور أن المصور له نظرة مختلفة للحياة، فهو يرى المشاهد بعين مختلفة، لكن لعلي بدأت بتوثيق تلك المشاهد والصور في عام 2005”.
وراثة وتعلم
كأي طفل، تعلق عبد الإله بالكاميرا الفيلمية أو الفورية في صغره، فكان من أولئك الذين تسنى لهم اللعب بالكاميرا متى ما سنحت له فرصة، خصوصًا أن هنالك علاقة عائلية مع الكاميرا.
فالوراثة لعبت دورًا في اكتسابه هوايته وموهبته، حيث إن خاله حبيب المعاتيق واحد ممن عرف ببراعته في التصوير الفوتوغرافي في المنطقة، وهو يرجع الدور الكبير في ذلك له، واصفًا إياه بالملهم والموجّه، إضافة لذلك فهو يؤمن بأن القابلية في التعلم واكتساب مهارة جديدة بالفطرة مرتبطة بالعامل الوراثي.
الرفيقة الأولى
استلف آل مطر العديد من الكاميرات من بعض المقربين منه، في محاولة لإشباع شغفه بتلك الهواية التي تعلق بها، وحين آن الأوان لأن تكون له رفيقته الخاصة به اختارها “كاميرا من ماركة نيكون”، ولم يكن امتلاكها بـ”كن، فيكون”، فقد استمر في تجميع مبلغها، واتكأ على مساعدة أخيه الأكبر ليكمل الباقي.
صقل الموهبة بالاحتكاك
صقل آل مطر موهبته بالاحتكاك بمن يشاركونه ذات الميول ويملكون الخبرات في مجالهم، يوضح ذلك بقوله: “كان لانضمامي لجماعات التصوير سواء في القطيف أو في جدة النصيب الأكبر في تطور موهبتي، فالاحتكاك بمن نتشارك ونتبادل معهم ميولنا عامل أساسي لصقل مواهبنا، ولا يمكننا أن نهمّش الدور الكبير للتغذية البصرية في تطوري، من خلال الكتب الفوتوغرافية أو المنتديات الضوئية في ذلك الوقت”.
حرقت شعرها!
يسرد حكاية أول صورة احترافية التقطها بكل تفاصيلها: “أتذكر أولى الصور التي مازالت عالقة، حيث كنت أتردد على كورنيش دارين لتصوير المراكب والشروق، وفي نهاية اليوم آخذ بعض التوجيهات من خالي، الذي تعلمت على يديه السحر، حيث حرك الزر الأمامي لجهة اليمين والزر الخلفي بالعكس وأعد التصوير في وقت لاحق عند الشروق، ودون معرفة وإلمام مني، كان هذا التوجيه كفيلًا بأن أحصل على لقطة “السلويت” والظفر بجائزة الجامعة”.
ويمضي في حكاية الاحتراف: “طبعًا لا أنسى أحد المواقف عند محاولتي لالتقاط صورة احترافية، انتهى بحرق شعر واحدة من بنات أختي، بعد أن كنت أحاول تصويرها بالقرب من شمعة”، مختتمًا قصته بابتسامة قائلًا: “يارب تسامحني بعد مضي هذه السنوات”.
عالقة في الذاكرة
يقلّب آل عبدالإله في ذكرياته خلال رحلاته الفوتوغرافية، وفي كل محطة لابد أن يبقى جزء من قصصها في الذاكرة، يقول: “الحديث حول تلك القصص كفيل بنبش الكثير من الذكريات، فبطبيعة الحال تصويرنا في السفر لا يخلو من جانب المغامرة، ففي كل رحلة خضناها كَمُّ هائل من الضحكات والأحداث؛ السعيدة أحيانًا والمؤلمة أحيانًا أخرى، ولربما كان للمؤلمة منها البصمة الأبقى في الذاكرة”.
وتأخذه ذاكرته في حديثه عن حكايات من رحلاته، إلى الهند، حين شاء القدر يومها أن يبقى وحده مع المرشد في الفندق، ومن باب استغلال الفرص طلب من الأخير أن يرافقه في رحلة تصويرية قصيرة، ابتغى فيها تصوير البدو الرحل في منطقة أخرى.
يحكي قصته تلك: “تشبثت برغبتي على الرغم من تحذيراته بخصوص ارتفاع المنطقة وانخفاض الأكسجين فيها، فانطلقنا نحو وجهتنا يرافقني إصراري، وكلما ارتفعنا أكثر، كلما شعرت بالضيق، وحين لاح لنا منظر خيام البدو أدركنا أننا وصلنا، إلا أنني ما إن هممت بالنظر لإحدى تلك الخيام حتى فقدت توازني، ولحسن الحظ أن المرشد كان بقربي وقتها”.
ويواصل: “اصطحبني مباشرة للسيارة لأخذ الأكسجين، ومن بعدها إلى أقرب عيادة معسكر، حيث قاموا بإسعافي قبل أن نعود أدراجنا، إلا أن الظريف في هذه القصة أن رغبتي في التصوير لم تنطفئ”، معلقًا بلسان لهجته: “المصورون فيهم يتفهموا شعوري حزتها وما رجعت يومها خايب”.
لا اهتمام بالمسابقات
لا يتجول عبدالإله آل مطر كثيرًا في أزقة المسابقات الفوتوغرافية سواء المحلية أو العالمية، فمشاركاته فيها قليلة جدًا، تتلخص في بعض المسابقات المحلية والخليجية فقط، ويعلل ذلك بقوله: “لا يوجد لدي ذلك الاهتمام بشكل عام”.
كما أنه لا ينتمي في الوقت الحالي إلا لجماعة التصوير الضوئي بالقطيف.
قواعد
يوضح “آل مطر” أن هناك عدة أمور مهمة لمصوري السفر، ما قبل السفر وأثناءه، يأتي في مقدمتها البحث عن البلد المراد زيارته، والتعرف عليه وعلى ثقافاته عن بعد، والبحث عن التغذية البصرية الخاصة بذلك البلد؛ من أجل فتح آفاق لدى المصور وتحديد الهدف أو المجال الفني المراد من زيارة البلد المعني.
ويضيف: “أثناء السفر يجب على المصور الاهتمام والتركيز في الهدف والتأكد من جاهزية الأدوات، وحسن المعاملة مع الناس، وأن لا يكون همه التقاط الصور من أجل زيادة رصيده الفوتوغرافي وأرشيفه”.
لغة الغريب
كأي مجال فوتوغرافي لابد من تحديات وصعوبات تواجه المصور المهتم بتصوير السفر، حول تلك التحديات يقول: “كي يسمح الناس لهذا الغريب (المصور) بالدخول في محيطهم وتوثيقه بكل أريحية، لابد له من إظهار الجانب الودود والحميمي من شخصيته، فهم بحاجه لتواصلنا معهم ليشعروا بالأمان والطمأنينة، وهنا نقع نحن المصورين في إشكالية حاجز اللغة، الذي يضطرنا للجوء لوساطة المرشد في هذه المناطق لنتجاوز ذلك الحاجز في الغالب”.
ويكمل: “هذا بالإضافة إلى بعض الصعوبات في الإجراءات للوصول لبعض المناطق أو البلدان، بداية من استخراج الفيزا ومتطلباتها، وتشديد بعض الإجراءات في تلك المناطق”.
الابتسامة مفتاح موافقة
يكتفي عبدالإله أحيانًا بتعبير لطيف من الوجوه التي يسلط ضوء كاميرته عليها لتتأكد له موافقتهم على أن يكونوا متربعين في إطار صوره؛ يفسر ذلك بقوله: “أعتقد أنني كمعظم المصورين مفتون بتصوير الناس في حالاتهم الطبيعية أو العفوية، حيث لا مجال لانتظار الاستئذان بشكل مباشر، ولعل الابتسامة قبل أو بعد التصوير كفيلة بأن تكون توقيع موافقة من الشخص الذي التقطت صورته، مع تحفظي طبعًا في موضوع تصوير الناس دون استئذان”.
ثروة لا تعرف ميزان الـ”كم”
تتعرقل قراءة ميزان الـ”كم” حين يحاول آل مطر أن يجيب عن ثروته “الفوتوغرافية”، خلال مشواره، فصعوبة الإحصاء، خصوصًا مع تعدد الملفات وعدم معرفة الصالح منها من عدمه، وفقدانه أرشيف بداياته، إلا أنه يعتقد أن ثروته الفوتوغرافية غير مرتبطة بـ”الكم” -حسب قوله- مضيفًا: “ثروتي هي اكتسابي لمجموعة من الثقافات وتوثيقها، وتعرفي على المصورين سواء من المنطقة أو ممن جمعتني بهم الرحلات من مختلف البلدان الخليجية والعربية”.
في الأخير يكشف عبدالإله عن “كنزه الفوتوغرافي” الذي يمتلكه، حيث يقول: “إنه (الشغف) كنز كل ذي هوى، أنا أراه أهم مقوم من مقومات الاستمرار والكنز الذي يصعب التفريط فيه”.