منذ نشأة الخليقة والعلم ينفع وإن تغيرت وسائل التعليم والجهل يضر وإن تغيرت منافذه. ونحن الآن في عصرٍ التعليم فيه ينتهي بورقة تؤكد أن حاملها درسَ مواد تعليمية واجتازَ امتحاناتٍ عدة، وبعدها حصل على تلك الشهادة، فماذا بعد؟
أنا أجزم أنها خرافة وجهل أن يعتقد أحدٌ أن النجاح ممكن دون دراسة، فقط لأنَّ بضعة أشخاص من مليارات البشر تفوقوا ونجحوا في الحياة، فهل يستطيع أحدٌ أن يحصي كم من الناس كان من الممكن أن تكون حالهم أفضل، فقط لو أكملوا تعليمهم؟ وكم من الناس استفادوا من هذه الشهادات؟ ومن المحزن عندما أسأل بعضَ اليافعين عن مستقبل دراستهم يكون الجواب: لا يهم والشهادة لا تغير شيئًا ولا تنفع، وغيرها من الأجوبة السخيفة.
أقل ما تضيفه الشهادة هي كونها تسهّل الحصول على وظيفة، وبرَاتب أعلى ممن لا يملكها. وتظهر الإحصائيات في الولايات المتحدة الأمريكية – وليس مستغربًا – أن التعليم يعطي فرصًا أكبر في الحصول على وظيفة وراتب أفضل، ومميزات طبية أرقى. وأن المتعلمين أكثر عناية بصحتهم وزيارة الطبيب، وأقل عرضة للتدخين والسمنة، وأطول أعمارًا!
وأكبر ما تضيفه سنوات الجامعة هو تعلم منهجية التفكير من خلال توسع المدارك العقلية، فمن يتخصص في فرعٍ من فروع الهندسة، من السهل عليه أن يفهم في بقية الفروع وإن كان ليس مثل من تعمق وتخصص فيها. وكذلك تحليل عامة الأمور وتبسيطها ومعالجتها بطريقة أفضل.
لن ينتهي الإبداع الفردي، لكن التعليم المنظم والجامعات العريقة أصبحت هي من يقود الأبحاث وأفكار التطور في العالم، ولو كان أرسطو وابن سينا والرازي وغيرهم من فطاحل العلماء موجودين الآن، لم أستغرب أن يكونوا هم من يقود هذه الأبحاث الجامعية بصورة رسمية وليس بصورةٍ منفردة كما كان في عصورهم.
المجتمعات التي اشتهرت بتحصيلها وتفوقها العلمي عليها أن تواصل زحفها وألا تنكسر عزيمتها في طلب العلم، وإلا ما هو البديل؟ البديل الواضح ليس الإبداع الفردي، بل الخيبة والتقهقر والنكوص نحو التخلف. وفي كل الأحوال، ليست الشهادة هي كل ما يحتاجه الإنسان من علم، بل هي واحدةٌ من نوافذه لا غنى عنها، مع غيرها من النوافذ!