في القطيف.. حلم مزعج يقود الطفلة آل سيف لتأليف قصة «عالم بلا ألوان»

صورت الطفلة لين بهاء آل سيف، الحياة في الماضي من دون ألوان في قصتها “عالم بلا ألوان”؛ تلك القصة التي كتبتها أثناء الحجر، الذي سببته الجائحة في العالم بعد حلم مزعج رأته في منامها.

وتشكل الحُلم نتيجة زيارات الطفلة لين التي تعيش بحي المزروع إلى جدتها والدة أمها بين الفينة والأخرى، حيث كانت تحكي لها عن أيام زمان عندما كانت صغيرة، فقد شاهدت ذات يوم صورًا لجدتها وهي في صغرها، فسألتها: لماذا هذه الصور ليس بها ألوان؟ فأجابتها مازحة بابتسامة: “إن عالمنا لم يكن فيه ألوان”.

وذكرت آل سيف أنها عندما نامت في تلك الليلة، حلمت بأنها سافرت إلى هذا العالم، الذي كان يشبه عالمنا اليوم، لكنه يفتقد للألوان، لتبصر كل الأشياء من حولها بلا لون، فجلست خائفة، لأن العالم فجأة، قد أصبح بلا ألوان!

وبدأت لين برسم ما أبصرته في الحُلم، ورصعته بأفكارها، وخيالها، وكلماتها الطفولية، البريئة، لتبزغ قصتها “عالم بلا ألوان” إلى النور، حيث جاءت في 12 صفحة، مقاس A4، صادرة عن دار أطياف للنشر والتوزيع.

وتحدثت الكاتبة الصغيرة بلغتها العفوية، عن قصتها قائلة: “إنني أحب جدتي كثيرًا، وكلما ذهبنا لها، دائمًا كنت أحدثها عن أيامها عندما كانت صغيرة، لأنها لديها قصص كثيرة عن طفولتها”.

وفسرت والدة الطفلة لين التي تدرس في الصف الرابع الابتدائي ذات العشرة أعوام بزوغ موهبتها مبكرًا ومزاحمتها الراشدين في العالم الأدبي بقولها: “حين تكون لين على وسادتها في كل ليلة، وقبل أن تُسلم عينيها إلى النوم، كانت تُصغي إلى قصة من كتاب، أقوم بقراءتها لها، وفي أحيان أخرى، كنت أقوم، مع والدها، إن كان متواجدًا أثناء نومها، بنسج بعض الحكايا الخيالية، من بنات أفكارنا، لتُشاركنا في نسجها، من خلال طفولتها العاشقة إلى الحكاية. فكانت غالب القصص إما فيها حس الدعابة، أو قيمة أخلاقية”.

وتابعت: “لقد أصبحنا نواظب على قراءة قصة قبل النوم إلى يومنا هذا، منذ أن كان عمرها ثلاث سنوات، لتغفو عينيها على تصورات أحداث لها حبكة واقعية، أو خيالية، تطير بها إلى عالم آخر، ولذلك فهي تبحر في الخيال، لتتشكل الصورة في عينيها، وتفكر في ملامح الشخوص، وتُنسقها ذهنيًا، وتُسكنها الذاكرة، لتعبر عنها من خلال الرسومات، والكتابة”.

وأشارت إلى أنها بدأت أولى خطواتها بأن تكتب قصصًا من خلال الصور التي تُشاهدها، وتُترجمها بحسب ما تفهمه، مما جعلها، تتعلق بالرسم، لكونها عاشقة له منذ صغرها، وترى ذاتها البريئة فيه، تُعبر من خلاله عن طفولتها، وعن رسائلها، وعما يختلج في داخلها، لتُؤلف القصة من الصور، وتنقلها من الحالة البصرية إلى الحروف.

المعلمة والتحفيز
تدرجت لين في عالمها، تكتب عن الأشياء بلا ألوان في قرطاسها الأبيض، حيث احتضنتها معلمة لغتي، المُعلمة زهراء أبو الرحي، لتؤيد طموح هذه الطفلة بالتحفيز والتشجيع، فكانت تثقفها عن أدوات القصة، وكيف تكتب، ومع قراءة القصص باللغتين العربية والإنجليزية، تكونت لديها مهارة كتابة القصة.

وتشير آل سيف إلى أنها عندما عرضت أول مسودة للقصة على معلمتها أبو الرحي، قالت لها: “أنا فخورة بك، وشاركت زميلاتي القصة”.

وأضافت أن مُعلمتها في الصف الرابع الابتدائي سكينة شويخات هي التي جعلتها تخطو الخطوات الأولى في عالم نشر القصة، وأمسكت بيديها برغم أن هذه أول سنة تدرس لها وعن بُعد.

وبينت آل سيف أن المعلمة شويخات طلبت من والدتها طباعة القصة في كتاب، وألا تكون حبيسة الأوراق، فهي تستحق النشر، لتجيبها الأم بأنهم ليس لديهم خلفية عن كيفية الطباعة، وما ينبغي فعله، لتقوم المُعلمة بإرشادهم إلى ذلك، وتزويدهم بأرقام التواصل، مع دار النشر، والفنانة في التصميم.

وأكملت: “أعطتني المعلمة شويخات أرقام رسامات، ومصممي جرافيك، ودور نشر، لأقوم بعملية التواصل معهم إلى أن وصلت للرسامة المبدعة فاطمة النمر، التي أعجبتني رسومها، فاخترناها”، لافتة إلى أن الرسامة النمر، كانت مثلهم متحمسة للقصة، وتنتظر ولادتها، وحضرت مع ابنتها في حفل توقيع القصة، لتتعرف على لين، وتحفزها للمزيد من الإبداع والتقدم، وقالت لها بفخر: “أحب الأم، التي تشجع أطفالها”.

وأشارت إلى أنها عندما عرضت قصتها على دار أطياف للنشر والتوزيع، تواصلوا بدورهم معها، وشجعوها أكثر، وطلبوا منها الحضور، لمناقشة طباعة الكتاب ونشره.

200 قصة
تمتلك آل سيف مكتبة في المنزل، تحتوي على قصص باللغة العربية والإنجليزية، وكذلك المجلات، ويبلغ عددها قرابة الـ200 قصة ومجلة، وعن تلك المكتبة تقول: “كان والديّ، يهتمان كثيرًا بتوفير القصص للمكتبة من خلال زيارة المكتبات، وأيضًا جعلا ذلك من ضمن المكافأة، التي تمنح لي نظير ما أقوم به من سلوك حسن، أو تفوق دراسي حيث إنهما كانا يأخذاني إلى المكتبة، لأبتاع قصتين أو ثلاث في كل مرة مما يعجبني من القصص”.

ولفتت إلى أنها تدخر جزءًا من مصروفها، وما تحصل عليه من العيدية، لشراء القصص والمجلات، وقالت: “أنا مهتمة كثيرًا بالقراءة، وأحب قراءة الكتب الإنسانية، والخيالية، والكتب المفيدة، التي تعلمنا الكثير من الأشياء، وأعشق المكتبة فعندما سألتني عمتي، عما أريده منها عندما تعود من ألمانيا إلى الوطن، طلبت منها أن تأخذني إلى المكتبة”.

وعن أقرب القصص إلى ذاتها، وعالمها، أشارت إلى أن سلسلة فضل، من تأليف إيديل أونول، وسلسلة الأهرامات من تأليف جنى كاريولي ولويسا ماتيا، والمعيلة من تأليف ديبورا ألي، والمرأة التي أنقذت مكتبة البصرة، من تأليف جانيت وينتر، هي الأقرب لها.

وذكرت أن هذه البيئة، التي زرعها والديها فيها جعلتها تتعلق باليراع والفرشاة حتى جاء اليوم الذي تُصدر فيه قصتها “عالم بلا ألوان”، لتكون أجمل هدية، تقدمها لهما، لتقول من خلالها: “شكرًا ماما، شكرًا بابا، أحبكما”.

تحفيز كاتبة
لم يجئ التحفيز والتشجيع في حياة آل سيف قبل كتابة القصة، ولكنه بزغ بعد نهايتها، حيث حضرت الجدة والجد، والأقارب في مراسيم توقيع القصة، لتشد الجدة من أزر حفيدتها، وتشاركها إنجازها، وقالت لها: “كم أنا فخورة بك يا حفيدتي، لبزوغ قصتك”.

وحضرت، كذلك معلمتها شويخات، وكلها سعادة، وهمست في أذنيها: “أخيرًا طفلتي، حبيبتي، تحقق أملي، إن هذا اليوم في حياتي أراه عرسًا يتكلل بالبهجة وإن السعادة تغمرني والكلمات تعجز عن توصيف ما أشعر به”.

وعقبت آل سيف على موقف جدتها، ومعلمتها، وقالت: “كان هذا الموقف، وهذه الكلمات، من أجمل المواقف والأحرف، فما أجمل أن تجد القريبين منك، يشاركونك نجاحك”.

ووجهت رسالة إلى رفقائها في الطفولة، من خلال صحيفة «القطيف اليوم»: “إن القراءة جميلة كثيرًا، إنها تأخذكم إلى عالم آخر جميل، تهديكم المعرفة، فإذا جاءت فكرة ما في عقولكم، أو رسمة، أو قصة، لتأخذوا الورقة والقلم، ولتكتبوا تلك الفكرة، وامسكوا بالفرشاة والألوان، وارسموها، ولا تنتظروا”.

جاء ذلك في حفل توقيع قصة “عالم بلا ألوان”، مع الكاتبة الواعدة لين بهاء آل سيف، في مجمع سيتي مول بالقطيف، مساء يوم الجمعة 2 جمادى الأول 1442هـ.



error: المحتوي محمي