المعايير المقدسة

«إنَّ أكثر الناس تحريما لشيء هم أكثرهم هوسا به» هذا ما نُقِلَ عن ميشيل فوكو، والحق أنه صدق فيما قال بنسبة لا أظنها قليلة، هذا لأن نسبةً نادرةً من الناس هي تلك القادرة على أن تصنع كراهية الإثم في النفوس، وحينما يتحدث الكثير منهم عن ضرورة ترك أمر ما، فهم في الغالب ليسوا من تلك النسبة القادرة على صناعة هذه الكراهية، وبذلك فإنهم يمارسون من غير قصد دفعا حقيقيا لمزاولة ما ينهون عنه.

أعتقد أنَّ هناك نسبة لربما غير قليلة من الناس حينما رأت أنَّ «كل ممنوع مرغوب» استبدلت لغة المنع بلغة القبول، يعني ذلك أن مظهرا خادشا للحياء لو ظهر به فرد من أفراد المجتمع، فإن هؤلاء يمارسون قبولا سلوكيا بما يفعل، بل وتبريرا له على ذلك في بعض الأحيان، لماذا؟ لأنهم حينما يئسوا من الإصلاح استبدلوه بالقبول، والحقيقة: أنهم لم يعرفوا الطرق السليمة للإصلاح، للتربية، لصناعة الأخلاق الفاضلة.

وهنا أقول: حِبُّوا المذنبين، عاملوهم بالحسنى، تيقنوا أن الشر الذي بهم ليس أمرا أصيلا فيهم، وتيقنوا بعدها أن المذنب حينما يعامل كإنسان فإنه في الغالب سيفتح أذنيه وقبلهما قلبه، ثم أرشدوهم إلى الصواب بلغةٍ منطقية غير متعالية تحترم عقولهم.

إنَّ احتقار المذنبين والتعالي عليهم والتعامل مع إخطائهم على أنها جرائم، هي لغة من لا يدرك أن الناس في الغالب رهائن لما نشأوا عليه في أُسرهم ودائرتهم الضيقة، طفل نشأ ضمن والدين رسخا في ذهنه حقائق باطلة، طفل أحاطت به دائرة ملأت ذهنه بالمقدمات الخاطئة، ثم كبر هذا الطفل وشب على هذه المفاهيم، حينذاك: فما تعتقده أنت باطلا فإنه يعتقده حقا، وحينما تمارس توجيها للمجتمع بترك إثم ما فإنه يمارس الترويج لهذا الإثم على أنه أخلاق فاضلة، هذا لأن المعايير التي نشأ عليها بقيت في ذهنه مقدسة، لا تقبل الجدل، لأنه باختصار اكتسبها ممن يحب، إذن، لا تفترضوا بالضرورة أنَّ من يمارس إثما ما فإنَّه يعتقد أنَّه كذلك، بل ربما هو في نظره فضيلة.

في اعتقادي، أن الحب والكره لهما علاقة وطيدة بقبول الأفكار، أنَّ من يصنع بفظاظته وقلة كياسته البغض في القلوب، فالناس لن تكره الحق الذي يأتيهم به فقط، بل سيفعلون عكسه تماما، في حين أن الحب لشخص ما، هو في أكثر الأحيان ما يصنع القبول بكلامه إن كان منطقيا، إذن امنحوا المذنبين الحب، وأشعروهم أن الجنة ملك للجميع، وبعد أن يقبل منك ذلك الحب سيقبل منك كل وعظ وإرشاد ومنع.


المصدر: آراء سعودية



error: المحتوي محمي